للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْكُلِّ فَمِنْ النَّظَرِ لِلْأَجِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ

وَلَمَّا تَسَاوَى الْجَانِبَانِ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ وَمَا قَالَ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّلَفُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْحِفْظِ كَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَوَلُّدُ التَّلَفِ مِنْ الْحِفْظِ إلَّا أَنْ يَضِيعَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ ضَامِنٌ لَا أَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْحَادِثُ فِي الثَّوْبِ بِعَمَلِهِ وَقَدْ فَاتَ قَبْلَ تَمَامِ التَّسْلِيمِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ بِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَاحِدِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَنَافِعُهُ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ تَمَّ التَّسْلِيمُ فِيهِ فَبِهَلَاكِ الْعَيْنِ عِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ الْأَجْرُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ قُصُورًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلَمًا مِنْ وَجْهٍ بِاتِّصَالِهِ بِالثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ التَّسْلِيمُ حَتَّى تَغَيَّرَ إلَى الْبَدَلِ وَهُوَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَيَتَخَيَّرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ مُتَغَيِّرًا فَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ بِالتَّغَيُّرِ وَفَسَخَ الْعَقْدَ فِيهِ فَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا إذَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ بِأَنَّ دَقَّ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ فَهُوَ ضَامِنٌ عِنْدَنَا.

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ: هُوَ ضَامِنُ سَوَاءٌ تَلِفَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَقُولُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ عَمَلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ فَمَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الدَّقِّ وَأَجِيرِ الْوَاحِدِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيَدُقَّ الثَّوْبَ، وَالدَّقُّ عَمَلٌ مَعْلُومٌ بِحَدِّهِ وَهُوَ إرْسَالُ الْمِدَقَّةِ عَلَى الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَقَدْ أَتَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ، ثُمَّ التَّخَرُّقَ إنَّمَا كَانَ لَوْ هَاءَ فِي الثَّوْبِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْعَامِلِ التَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ نَظِيرُ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَمَا يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَرْءِ لَا يُبْعَدُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَشْيَ فِي الطَّرِيقِ وَالرَّمْيَ إلَى الْهَدَفِ؛ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَقُيِّدَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَجِيرَ الْقَصَّارِ إذَا دَقَّ فَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ، وَعِنْدُكُمْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأُسْتَاذِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ مَأْذُونًا فِيهِ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ فَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: مَنْ بَاشَرَهُ لَا يَضْمَنُ وَغَيْرُهُ يَضْمَنُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَكُونُ مَأْذُونًا كَمَا لَوْ دَقَّ الثَّوْبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالْعَقْدُ عَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>