للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَاوَضَةٍ فَمُطْلَقُهُ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ وَالْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ سَلِيمٌ غَيْرُ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ السَّلِيمُ الْمُزَيِّنُ لِلثَّوْبِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَعِيبَ الْمُخَرَّقَ لِلثَّوْبِ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ أَجِيرَ الْوَاحِدِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ: هُنَاكَ الْبَدَلُ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ السَّلِيمِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ دُونَ الْعَمَلِ وَصِفَةُ السَّلَامَةِ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْعَمَلُ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يُقَامُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ مَقَامَ الْعَمَلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْأَجِيرِ لِتَضِيقَ مُدَّةُ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ

وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَكُونُ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ كَمَا يُقَامُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فِي النِّكَاحِ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ إذَا وَجَدَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَطْءُ كَانَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يَقُولَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ أَجِيرِ الْوَاحِدِ مَنَافِعُهُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَمَنَافِعُهُ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ لَا تَخْتَلِفُ بِكَوْنِهِ سَلِيمًا، أَوْ مَعِيبًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ؛ فَإِنَّهُ، وَإِنْ وَجَدَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْبًا لَا يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْإِذْنَ مُتَنَاوِلٌ لِلْعَمَلِ مَعِيبًا كَانَ، أَوْ سَلِيمًا وَهُنَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَقْدُ السَّلَمِ إذَا تَنَاوَلَ الْجَيِّدَ لَا يَكُونُ الرَّدِيءُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ بِالرِّضَاءِ بِهِ، فَهُنَا مَا دَامَ الْعَمَلُ السَّلِيمُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ الْمَعِيبُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ؛ فَإِنَّهُ وَاهِبٌ لِلْعَمَلِ وَالْهِبَةُ لَا تَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ فَبِالتَّخَرُّقِ لَا يَخْرُجُ الْعَمَلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِيهِ، وَبِخِلَافِ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ فَهُنَاكَ الْعَمَلُ مَعْلُومٌ بِحَدِّهِ لَا بِصِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ وَالْحَرَجُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ سَارٍ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ فَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ دُونَ مَا لَا يَقْدِرُ، فَأَمَّا التَّحَرُّزُ عَنْ التَّخَرُّقِ فَفِي وُسْعِ الْقَصَّارِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْتِزَامِهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ التَّخَرُّقَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ فِي طَيِّ الثَّوْبِ، أَوْ لِرِقَّةٍ فِي الثَّوْبِ، أَوْ لِحِدَّةٍ فِي الْمِدَقَّةِ وَكُلُّ هَذَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، فَأَمَّا السِّرَايَةُ فَلِضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ، وَلَا طَرِيقَ لِلْوُقُوفِ بِحَالٍ

يُوَضِّحُهُ أَنَّ التَّلَفَ هُنَاكَ لَا يَحْصُلُ فِي حَالِ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ بِمُدَّةٍ وَالْعَمَلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ بَدَلٌ مَضْمُونٌ فَمَا يُقَابِلُ الْمَضْمُونَ يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا حَصَلَ التَّلَفُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ ضَمَانِ الْعَاقِدِ، وَهُنَا التَّخَرُّقُ يَحْصُلُ فِي حَالِ الْعَمَلِ لَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَفِي حَالِ الْعَمَلِ التَّسْلِيمُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ وَهُوَ عَمَلٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>