بَدَلٌ مَضْمُونٌ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْمَضْمُونِ يَكُونُ مَضْمُونًا، فَأَمَّا أَجِيرُ الْقَصَّارِ فَهُوَ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَالْبَدَلُ فِي حَقِّهِ بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا، ثُمَّ عَمَلُهُ لِلْأُسْتَاذِ كَعَمَلِ الْأُسْتَاذِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ قَامَ بِالثَّوْبِ بِنَفْسِهِ فَخَرَّقَ الثَّوْبُ كَانَ ضَامِنًا، فَكَذَلِكَ إذَا عَمَلَ لَهُ أَجِيرُهُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: لِصَاحِبِ الثَّوْبِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ (قَالَ) بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا قَبْضُهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَبْضِ غَيْرَ مَقْصُورٍ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ قَبَلَ قَبْضِ الْقَصَّارِ قَبْضُ أَمَانَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا قُلْنَا فَإِنَّا لَا نَقُولُ نُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ بِالْقَبْضِ وَلَكِنَّهُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ بِالْإِتْلَافِ إنْ شَاءَ مَعْمُولًا، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَعْمُولٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَصِيرُ مُسَلَّمًا مِنْ وَجْهٍ بِاتِّصَالِهِ بِالثَّوْبِ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ عِنْدَ الرِّضَاءِ بِهِ كَالرَّدِيءِ فِي بَابِ السَّلَمِ مَكَانَ الْجَيِّدِ يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ عِنْدَ التَّجَوُّزِ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ التَّغَيُّرُ فِي الْعَمَلِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ مُتَغَيِّرًا فَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَيَخْرُجُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ الثَّوْبُ، وَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَخْذَهُ كَانَ لِلْقَصَّارِ أَنْ يَمْنَعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ
وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ أَجِيرً يَكُونُ أَثَرُ عَمَلِهِ قَائِمًا فِي الْمَعْمُولِ كَالنَّسَّاجِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْفَتَّالِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِبَدَلِهِ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْمَعْمُولِ كَالْحَمَّالِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْحَبْسَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ فَإِنْ (قِيلَ) فِي الْقَصَّارِ: عَمَلُهُ فِي إزَالَةِ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ لَا فِي إحْدَاثِ الْبَيَاضِ فِي الثَّوْبِ فَالْبَيَاضُ لِلْقُطْنِ صِفَةٌ أَصِيلَةٌ (قُلْنَا) نَعَمْ وَلَكِنْ لَمَّا غَلَبَ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ حَتَّى اسْتَتَرَ بِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ وَحِينَ أَظْهَرَهُ الْقَصَّارُ بِعَمَلِهِ جُعِلَ ظُهُورُهُ مُضَافًا إلَى عَمَلِهِ فَيَكُونُ أَثَرُ عَمَلِهِ قَائِمًا فِي الْمَعْمُولِ فَإِنْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ فَالْجَوَابُ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ بِحَقٍّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِيمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ؛ فَلِهَذَا يَسْتَوِي الْهَلَاكُ بَعْدَ الْمَنْعِ وَقَبْلَهُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، فَإِذَا حَبَسَهُ كَانَ غَاصِبًا ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيُعْطِيَهُ مِنْ الْأَجْرَ بِمِقْدَارِ مَا عَمِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute