للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فَمَا لَيْسَ لِلْقَصَّارِ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ فَيَمْتَنِعَ مِنْ إقَامَةِ بَعْضِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِرَبِّ الثَّوْبِ وَكَمَا أَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْقَصَّارِ فَإِمْسَاكُ الْعَيْنِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ مُسْتَحَقٌّ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ.

، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَهُ وَصَاحِبُهُ يَمْشِي مَعَهُ، أَوْ لَيْسَ مَعَهُ فَانْكَسَرَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، أَوْ عَثَرَ فَانْكَسَرَتْ الدَّابَّةُ فَانْكَسَرَ الْمَتَاعُ (قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعْلَمْ بِأَنَّ الْحَمَّالَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ بِمَنْزِلَةِ الْقَصَّارِ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ تَلِفَ بِفِعْلِهِ بِأَنْ تَعَثَّرَ فَانْكَسَرَ الْمَتَاعُ فَهُوَ ضَامِنٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِجِنَايَةِ يَدِهِ، ثُمَّ عِنْدَنَا لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَحْمُولًا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَ وَأَعْطَاهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَحْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ صَارَ مُسَلَّمًا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ يَمْشِي مَعَهُ فَلَا يُشْكِلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَمْشِي مَعَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَلَّمًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ قَبْلَ تَمَامِ التَّسْلِيمِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِهَذَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الصَّفْقَةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ إلَّا بِجُمْلَتِهِ فَإِنَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِوُصُولِ الْمَتَاعِ إلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ فَإِذَا انْكَسَرَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَدْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ لِلْفَوَاتِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَفَرَّقَتْ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَذَا التَّفَرُّقِ وَقَرَّرَ الْعَقْدَ فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْعَمَلِ وَأَعْطَاهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَبَى ذَلِكَ وَفَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ فَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَحْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ وَلَوْ هَلَكَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ الْعَمَلَ مِنْ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا صَارَ مُسَلَّمًا بِنَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْحَبْسَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ فَكَانَ هُوَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَأَجِيرِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْقَصَّارِ فَالتَّسْلِيمُ هُنَاكَ لَا يَتِمُّ بِإِقَامَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ لِاسْتِيفَاءِ الْأَجْرِ

وَهَذَا الْفَصْلُ يُوهِنُ طَرِيقَةَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا أَوَّلًا مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلتَّغَيُّرِ إلَى الْبَدَلِ وَقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْأَصْلِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ فِيهِ حَتَّى أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ وَهُوَ الضَّمَانُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيمَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي الْكِرَاءِ إلَى مَكَّةَ لَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ كِرَائِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>