للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنْ يَقُولُ فِي جَمِيعِ مَنْ يُحَمِّلُ الْحُمُولَةَ عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ، أَوْ سَفِينَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كُلُّ مَا صَارَ مَسِيرًا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَجْرُ دَرَاهِمَ، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا بِهِ عِنْدَنَا عَيْنًا كَانَ، أَوْ دَيْنًا وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا التَّعْجِيلُ، أَوْ شَرْطُ التَّعْجِيلِ، أَوْ اسْتِيفَاءُ مَا يُقَابِلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ، أَوْ الدَّابَّةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَمُطْلَقُهُ يُوجِبُ مِلْكَ الْبَدَلِ بِنَفْسِهِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَمَنْفَعَةُ الْعَيْنِ فَكَمَا يُمْلَكُ الْبَدَلُ فِي الْعَقْدِ الْوَارِدِ عَلَى الْعَيْنِ بِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ وَمَا لَيْسَ بِعَيْنٍ فَهُوَ دَيْنٌ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً عِنْدَ الْعَقْدِ حَقِيقَةً فَقَدْ جُعِلَتْ كَالْمَوْجُودَةِ حُكْمًا بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْمَعْدُومِ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يُلْتَزَمُ وَلِلشَّرْعِ وِلَايَةٌ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْدُومَ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ كَمَا جَعَلَ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ وَلَا حَيَاةَ فِيهَا كَالْحَيِّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ وَكَمَا جُعِلَ الْحَيُّ حَقِيقَةً كَالْمَيِّتِ حُكْمًا وَالْمُرْتَدِّ اللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِذَا صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا الْتَحَقَتْ بِالْمَوْجُودِ حَقِيقَةً فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ وَكَمَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْعَقْدِ حُكْمًا يَصِيرُ مُسَلَّمًا بِتَسْلِيمِ الدَّارِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْإِجَارَةِ مِنْ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَانْهَدَمَتْ إحْدَاهُمَا بِالْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِي رَدِّ الْأُخْرَى لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى سُكْنَى دَارٍ سَنَةً فَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتْلَفُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا كَالْمَوْجُودَةِ الْمُسَلَّمَةِ بِاعْتِبَارِ عَرَضِيَّةِ الْوُجُودِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَهُوَ كَمَا لَوْ جَعَلْنَا النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ كَالْحَيِّ لِكَوْنِهَا مُعَدَّةً لِذَلِكَ فَإِنْ زَالَ ذَلِكَ بِالِانْفِصَالِ مَيِّتًا بَطَلَ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ وَلَوْ كَانَ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ تَأَخُّرُ الْمِلْكِ فِي الْأَجْرِ أَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْمَنْفَعَةُ كَالْمَوْجُودَةِ حُكْمًا؛ لَمَا وَجَبَ الْأَجْرُ بِالشَّرْطِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ تُقَامَ عَيْنُ الدَّارِ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>