حَقِّ انْعِقَادِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ فِي مِلْكِ الْبَدَلِ كَعَقْدِ السَّلَمِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُنَاكَ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ مَلَكَ الْبَدَلَ بِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي تَقَابُلَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ الْأُجْرَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فِي نَفْسِهِ، وَالْمِلْكُ مِنْ صِفَاتِ الْمَوْجُودَاتِ فَالْمَعْدُومُ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ سِوَى أَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمِلْكُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْدُومِ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلَوْ مَلَكَ الْبَدَلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِقَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ عِنْدَ الْحُدُوثِ تُمْلَكُ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ قَبْلُ وَمِلْكُهُ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ وَلَا وَجْهَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمُدَّةِ تُجْعَلُ مَوْجُودَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّرُ الشَّيْءُ حُكْمًا إذَا كَانَ يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً كَمَا فِيمَا اسْتَشْهَدُوا بِهِ فَإِنَّ الْحَيَّ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمَوْتُ وَالْمَيِّتَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَلَا تَصَوُّرَ لِوُجُودِ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمُدَّةِ جُمْلَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ حُكْمًا، فَأَمَّا جَوَازُ الْعَقْدِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُجْعَلُ مَوْجُودَةً حُكْمًا
وَكَيْف يُقَالُ هَذَا وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ عَرَضٌ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَقْتَيْنِ وَالتَّسْلِيمَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ يَكُونُ عَقِيبَهُ وَالْجُزْءَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً لَا بَقَاءَ لَهُ لِيُسَلَّمَ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَوْ جَعَلْنَاهَا كَالْمَوْجُودَةِ حَقِيقَةً لَمْ تَقْبَلْ الْعَقْدَ فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَالَهُ الْخَصْمُ بَلْ بِأَحَدِ الطَّرِيقِينَ إمَّا بِإِقَامَةِ عَيْنِ الدَّارِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ، ثُمَّ انْعِقَادُ الْعَقْدِ حَقُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتِ الْحُدُوثِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قُلْنَا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بَعْدَ الْوُجُودِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَحُكْمُ الِانْعِقَادِ بَعْدَ الْإِيجَابِ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ فِي حُكْمِ الْمَحَلِّ كَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَالْعِتْقِ الْمُضَافِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَى أَصْلِ الْخَصْمِ وَالْمُضَارَبَةِ بِالِاتِّفَاقِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوُجُودِ فِيهِ شَرْعًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا وَلَكِنْ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ بِكَوْنِ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بِهَا تَكْفِي لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ رَضِيعَةً صَحَّ النِّكَاحُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَرَضِيَّةَ الْوُجُودِ فِيمَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِلْكُ الْحِلِّ يُقَامُ مَقَامَ الْوُجُودِ وَعَلَى الطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا إقَامَةُ الشَّيْءِ مَقَامَ غَيْرِهِ تَكُونُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي مِلْكِ الْبَدَلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حُكْمُ السَّبَبِ وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ السَّبَبِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَخْلُوَ السَّبَبُ عَنْ الْحُكْمِ، فَأَمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute