بِهِ فَلَا وَفِي حُكْمِ مِلْكِ الْبَدَلِ لَا ضَرُورَةَ فَاعْتَبَرْنَا مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ أَنْ يَتَأَخَّرَ إلَى وُجُودِ الْمِلْكِ فِيمَا يُقَابِلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَبْلَ تَسْلِيمِ الدَّارِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأَجْرِ وَلَوْ جُعِلَتْ الْمَنْفَعَةُ كَالْعَيْنِ لَكَانَ أَوَّلُ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَالثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَا يَقُولُ: إنَّ الْمَنْفَعَةَ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَنْفَعَةَ فِي الذِّمَّةِ فَكَيْف نَقُولُ ذَلِكَ
وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَمَا يَكُونُ دَيْنًا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ بِوُجُودِ مَحَلِّهِ وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُسْلَمَ فِيهِ مَمْلُوكًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَجَعَلْنَا بَدَلَهُ مَمْلُوكًا حَتَّى وَجَبَ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ تَسْلِيمُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْعَيْنُ وَالْمِلْكُ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عَنْ السَّبَبِ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَوْجُودِ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ
فَأَمَّا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَنَقُولُ امْتِنَاعُ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَانَ بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَذَلِكَ يَتَغَيَّرُ بِالشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ مِلْكُ الْمَبِيعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَمُقْتَضَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ شَرْطُ الْأَجَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ فَإِنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ هُنَا لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ ثَبَتَ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَلِلْقَبْضِ تَأْثِيرٌ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يُمْلَكْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِمُدَّةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، ثُمَّ كَمَا لَا ضَرُورَةَ فِي الْمِلْكِ لَا ضَرُورَةَ فِي التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ عَنْ الْعَقْدِ فَلَا يُجْعَلُ مُسَلِّمًا بِتَسْلِيمِ الدَّارِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فِي نَقْلِ الضَّمَانِ
وَلَمَّا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْآخَرِ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً فَتُقَامُ الدَّارُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَا فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ تَسْمِيَةِ الْمَنْفَعَةِ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةُ الْعَقْدِ مِلْكُ الْمُسَمَّى بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَتَأَخَّرُ الْمِلْكُ إلَّا أَنْ يُحَصِّلَ الزَّوْجُ مِلْكُ الْعَقْدُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ تَسْلِيمِ الدَّارِ فِي سُقُوطِ حَقِّهَا فِي الْحَبْسِ لِوُجُودِ الرِّضَاءِ مِنْهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمَّا جَعَلَتْ الصَّدَاقَ الْمَنَافِعَ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْمُدَّةِ مَعَ عِلْمِهَا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهَا جُمْلَةً فَقَدْ صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا فِي الْحَبْسِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا لَتُحْدِثُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute