للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْعَارِيَّةِ]

(بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْعَارِيَّةِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ عِنْدَهُ عَارِيَّةٌ بِمِلْكِ فُلَانٍ أَوْ بِمِيرَاثِهِ أَوْ بِحَقِّ فُلَانٍ هَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ)؛ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِلْصَاقِ، فَقَدْ جَعَلَ الْمُقَرَّ بِهِ مُلْصَقًا بِمِلْكِ فُلَانٍ وَمِيرَاثِهِ وَحَقِّهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الْإِلْصَاقُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ وَكَالَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَاءُ صِلَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠]، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الصِّلَةِ هُنَا كَانَ إقْرَارًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ أَوْ مِيرَاثُ فُلَانٍ أَوْ حَقُّ فُلَانٍ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] اقْتَضَى الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا كَانَ إقْرَارًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُقَرَّ بِهِ بَعْضَ مِلْكِهِ وَمِيرَاثِهِ وَحَقِّهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَارِيَّةً عِنْدِي مِنْ مِلْكِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ مِيرَاثِهِ أَوْ مِنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ " مِنْ " فِي الْأَصْلِ لِلتَّبْعِيضِ فَذَلِكَ إقْرَارٌ يَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ بَعْضَ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ صِلَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: ٣١] وقَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠]، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الصِّلَةِ فَهُوَ إقْرَارٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: ١١] يَعْنِي بِأَمْرِ اللَّهِ فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَكُونُ " مِنْ " لِلتَّمْيِيزِ كَمَا يُقَالُ سَيْفٌ مِنْ حَدِيدٍ وَخَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إقْرَارًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَيَّزَ الْمُقَرَّ بِهِ عَنْ سَائِرِ مَا فِي يَدِهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لِلْمُقِرِّ.

وَلَوْ قَالَ عَارِيَّةٌ عِنْدِي لِمِلْكِ فُلَانٍ أَوْ لِمِيرَاثِهِ كَانَ إقْرَارًا أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: وَالثَّوْبُ وَالدَّابَّةُ عَارِيَّةٌ عِنْدِي لِحَقِّ فُلَانٍ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وقَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]. وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ حُمِلَ قَوْلُهُ لِمِلْكِ فُلَانٍ أَوْ لِمِيرَاثِ فُلَانٍ إقْرَارًا مُؤَكَّدًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِحَقِّ فُلَانٍ فَنَقُولُ: اللَّامُ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ أَكْرَمْتُكَ لِتُكْرِمَنِي وَزُرْتُكَ لِتَزُورَنِي، وَقَدْ تَكُونُ لِبَيَانِ الْحُرْمَةِ كَالرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَنَهَاهُ الْغَيْرُ فَيَقُولُ تَرَكْتُهُ لَكَ أَيْ لِحُرْمَتِكَ وَشَفَاعَتِكَ فَهُنَا قَوْلُهُ لِحَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>