فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ: مَا اشْتَرَيْتَ وَلَا اسْتَوْدَعَكَ وَلَا أَعَارَكَ وَلَا اسْتَأْجَرْتَ مِنْهُ وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا لَهُ قِبَلَكَ مَا ادَّعَى بِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إذَا عَرَّضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَكْفُلُ الْإِنْسَانُ ثُمَّ يَبْرَأُ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهَذَا التَّعْرِيضِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَفَلْت؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى جُحُودِهِ وَقَدْ جَحَدَ الْكَفَالَةَ أَصْلًا فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَرَّضَ فَقَدْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لَهُ فَعَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَرِّضْ؛ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْظُرُ الْقَاضِي لَهُ وَلَكِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى جُحُودِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: هَذَا التَّعْرِيضُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ كُلُّ خَصْمٍ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَصُونَ قَضَاءَ نَفْسِهِ عَنْ الْجَوْرِ وَنَفْسَهُ عَنْ الظُّلْمِ فَيُحَلِّفَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَرَّضَ الْخَصْمُ أَوْ لَمْ يُعَرِّضْ.
وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلْقَاضِي: حَلِّفْ الطَّالِبَ أَنَّ لَهُ قِبَلِي هَذِهِ الْكَفَالَةَ فَإِنِّي أَرُدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ فَإِذَا رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي؛ فَقَدْ خَالَفْت الْأَثَرَ. وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الدَّعْوَى. وَلَوْ جَاءَ الطَّالِبُ بِشَاهِدَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ: اسْتَحْلِفْهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ شَهِدَتْ شُهُودُهُ عَلَى حَقٍّ؛ لَمْ أَسْتَحْلِفْهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي. فَإِذَا جَعَلْت عَلَيْهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَمِينًا؛ فَقَدْ جَعَلَتْ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى شَرْطِ لُزُومِ الْمَالِ بِتَرْكِ الْمُوَافَاةِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ؛ أَدَّى مَا ادَّعَيَا بِهِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ مَا لَهُمَا عَلَيْهِ وَسَمَّى لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمَا الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ إذَا دَعَيَاهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي حَقِّهِمَا. فَإِنْ دَعَاهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَهُ مَا لَهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ مَالُ الْآخَرِ حَتَّى يَدْعُوَهُ بِهِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا فِي الْمَعْنَى لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ لِلْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بِالشَّرْطِ وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ بِشَرْطِ إبْرَائِهِ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُوَافَاتِهِ بِهِ إذَا دَعَيَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ بِوُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ. وَإِذَا دَعَاهُ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُوَافِهِ بِهِ فَالْمَوْجُودُ بَعْضُ الشَّرْطِ وَقَالَ: يَلْزَمُهُ الْمَالُ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَاةَ كَانَتْ مُبَرِّئَةً لَهُ وَلَمْ تُوجَدْ. وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَالِ فَضَمِنَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ: إنْ وَافَيْتُكُمَا بِنَفْسِهِ إذَا دَعَوْتُمَانِي بِهِ؛ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَتَقْدِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute