بَعْدَ الْمَوْتِ
(قَالَ) وَإِذَا زَنَى بِأَمَةٍ هِيَ رَهْنٌ عِنْدَهُ فَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ مِلْكَ الْيَدِ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ وَبِمُلْكِ الْيَدِ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ مِنْ تَطْلِيقَاتٍ إذَا وَطِئَهَا، وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْيَدِ لَهُ فِيهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يُحَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَلْحِلِّ بِحَالٍ وَهُوَ نَظِيرُ الْغَرِيمِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ التَّرِكَةِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَتْ الْمَالِيَّةُ حَقًّا لَهُ فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ
[اسْتَأْجَرَ أَمَةً لِتَخْدُمَهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَزَنَى بِهَا]
(قَالَ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَمَةً لِتَخْدُمَهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَزَنَى بِهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِانْعِدَامِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ الْمَحَلِّ بِحَالٍ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِي الْوَقْتِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ نَسَبَاهُ إلَى زِنًى آخَرَ فَكَانَا قَاذِفَيْنِ لَهُ، وَشَرْطُ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُمْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ بِزِنًا وَاحِدٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَسَكَتَ الرَّابِعُ حُدَّ الثَّلَاثَةُ؟ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى زِنَا آخَرَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَثْنَى، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ اجْتَمَعَ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْفُسَّاقِ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ تَوْضِيحُهُ أَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِي الزَّمَانِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَيُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَامْتَنَعُوا مِنْ بَيَانِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ فَهَذَا مِثْلُهُ.
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِيهِ، فَقَالَ اثْنَانِ: فِي مُقَدَّمِهِ وَقَالَ اثْنَانِ: فِي مُؤَخَّرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي مُقَدَّمِ الْبَيْتِ غَيْرُ الْفِعْلِ فِي مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فِي بَيْتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ، وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي ثِيَابِهَا حِينَ زَنَى بِهَا وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ لَمْ يَسْأَلْهُمْ الْقَاضِي إنْ كَانَ فِي مُقَدَّمِهِ أَوْ فِي مُؤَخَّرِهِ، وَبَيَانُ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute