حَقَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ فَحِينَئِذٍ تَنْفُذُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قِيَامُ حَقِّ الْغَرِيمِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكَانَ الدَّيْنِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ وَثُلُثُ الْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ صَارَ لَهُ فَلَا تَنْفُذُ الْكِتَابَةُ مِنْ الْوَصِيِّ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ كِبَارًا.
رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ عَبِيدٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَتَرَكَ يَتَامَى صِغَارًا فَكَاتَبَ الْوَصِيُّ بَعْضَ الرَّقِيقِ فَأَدَّى إلَيْهِ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ حِصَّةَ الْوَرَثَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ الْمُكَاتَبِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَالْوَصِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانُوا بَالِغِينَ فَكَاتَبُوا وَاسْتَوْفَوْا الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُمْ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الْوَصِيُّ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ صَارَ لَهُ وَإِنَّمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَثُلُثُ الْكَسْبِ حَقُّهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيِّ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَرَثَةَ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَبْدِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ مُعْتِقُونَ لَهُ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ، وَهُوَ مُوسِرٌ يَكُونُ ضَامِنًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَالصِّبَا لَا يَنْفِي الْيَسَارَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْعِتْقِ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْعِتْقِ فَالصِّبَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَالصِّبَا لَا يُنَافِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَصِيَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ عَنْ الْوَرَثَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ مُعْتِقًا وَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ مُكَاتَبَةِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ.]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: رَجُلٌ كَاتَبَ أَمَةً لَهُ حَامِلًا فَمَا فِي بَطْنِهَا دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَوَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَشْتَرِطُ مَا فِي بَطْنِهَا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُتَمَكِّنٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى وَطْأَهَا أَوْ خِدْمَتَهَا لِنَفْسِهِ.
وَإِنْ كَاتَبَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا فِي الْبَطْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا فَلَا يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ مَقْصُودًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْجَنِينِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقَبُولِ الْأُمُّ وَغَيْرُهَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَائِبًا فَإِنَّ نِيَابَةَ الْغَيْرِ شَرْعًا فِيمَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَإِنْ كَاتَبَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute