وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَكَذَا إنْ قَالَ: لَا سَبِيلَ عَلَيْكَ أَوْ أَمَّنَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ النَّبَطِيَّةِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَيُّمَا مُسْلِمٍ قَالَ لِكَافِرٍ مُبَرَّسٍ أَوْ لَا يُذْهِلُ أَوْلَادَهُ فَهُوَ أَمَانٌ، وَكُلُّ مَنْ يَصِحُّ أَمَانُهُ لِلْحَرْبِيِّ يَصِحُّ أَمَانُهُ لِلْبَاغِي كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الَّذِي يُقَاتِلُ مَعَ مَوْلَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ مَعَ مَوْلَاهُ فَأَمَانُهُ لِأَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى الْخِلَافِ.
وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ لِلْكُفَّارِ.
[قَاتَلَ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ]
وَإِذَا قَاتَلَ النِّسَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ، وَسِعَهُمْ قَتْلُهُنَّ دَفْعًا لِقِتَالِهِنَّ، فَإِذَا لَمْ يُقَاتِلْنَ لَمْ يَسْعَهُمْ قِتَالُهُنَّ كَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ بَلْ أَوْلَى، فَهَذَا الْقِتَالُ دَفْعُ مَحْضٍ، فَإِذَا قَاتَلْنَ قُتِلْنَ لِلدَّفْعِ، وَإِذَا لَمْ يُقَاتِلْنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِهِنَّ.
وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي يَدِي أَهْلِ الْبَغْيِ تُجَّارٌ أَوْ أَسْرَى فَجَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْعَدْلِ لَمْ يُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ حَيْثُ لَا تَصِلْ إلَيْهِمْ يَدُ إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَلَا يَقْبَلُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ كِتَابَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ فَسَقَةٌ، وَمَا لَمْ يَخْرُجُوا فَفِسْقُهُمْ فِسْقُ اعْتِقَادٍ، فَأَمَّا بَعْدَ مَا خَرَجُوا فَفِسْقُهُمْ فِسْقُ التَّعَاطِي، فَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْفَاسِقِ، وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا، فَرُبَّمَا حَكَمَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاسْتِحْلَالِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ.
وَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى مِصْرٍ فَاسْتَعْمَلُوا عَلَيْهِ قَاضِيًا مِنْ أَهْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَالْقِصَاصَ، وَالْأَحْكَامَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ لَا يَسَعُهُ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ مَا اسْتَخْلَفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَضَاءِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ تَقَلَّدُوا مِنْ جِهَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ، وَدَفْعَ الظُّلْمِ عَنْ الْمَظْلُومِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الرَّعِيَّةِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إلْزَامِ ذَلِكَ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِقُوَّةِ مَنْ قَلَّدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ قَلَّدَهُ بَاغِيًا أَوْ عَادِلًا، فَإِنَّ شَرْطَ التَّقْلِيدِ التَّمَكُّنُ وَقَدْ حَصَلَ، فَإِنَّ كَتَبَ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ هَذَا الْقَاضِي الَّذِي أَتَاهُ الْكِتَابُ يَعْرِفُ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَلَ الْقَاضِي بِكِتَابِهِ شَهَادَتَهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُجِيزُ كِتَابَهُ كَمَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute