للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَالْفُلُوسِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْمِثْلِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا عَدَدًا، ثُمَّ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْمِثْلُ فِيمَا يُؤَدَّى بِهِ الضَّمَانُ مَنْصُوصٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِالنَّصِّ بَلْ بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْثَالٍ مُتَسَاوِيَةٍ قَطْعًا، وَمَا كَانَ ثَابِتًا بِالنَّصِّ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَلَا يُؤَدَّى بِمَا هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ أَدَاءِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُمَاثَلَةُ فِي آحَادِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتَةٌ بِالْعُرْفِ فَهُوَ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ جُبْرَانُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ آحَادَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ إنَّمَا تَتَفَاوَتُ أَنْوَاعُهَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ.

[الْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ]

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «كُنْتُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَانْكَسَرَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ جَاءَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فَرَدَّتْهَا، وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَيْرَةِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَغْرُورِ: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ، الْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَلَكِنَّا نَحْتَجُّ بِحَدِيثٍ مَعْرُوفٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا: فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ.

وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ الضَّمَانِ، وَقَدْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ يَعْنِي بِقِيمَةِ الْغُلَامِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ أَنَّهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ.

ثُمَّ بَدَأَ مُحَمَّدٌ الْكِتَابَ بِحَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ: مَنْ كَسَرَ عَصَى فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: مَنْ كَسَرَ عَصَى فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ: مُرَادُهُ بِالْمِثْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ خَاصَّةً وَذَلِكَ فِي الْقِيمَةِ أَوْ يُحْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>