للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَى الْعِصِيّ الصَّغِيرَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا فِي الْمَالِيَّةِ كَالسِّهَامِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى الْعِصِيّ الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّهَا كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لِأَنَّ آحَادَهَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكَسْرِ مَا يَكُونُ فَاحِشًا حَتَّى لَا يُمْكِنَ التَّقَضِّي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْرُ يَسِيرًا فَلَيْسَ عَلَى الْكَاسِرِ إلَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَوِّتٍ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، وَفِي الْكَسْرِ الْفَاحِشِ هُوَ مُسْتَهْلِكٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْعَيْنِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهَا حَقُّ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّعْيِيبَ هُنَاكَ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا يُثْبِتُ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ إلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ، فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ قَدْرَ مِلْكِهِ وَزِيَادَةً، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ لِلْجَوْدَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ قِيمَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا قِيمَةً إذَا قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا، وَلَهَا قِيمَةٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِصَاحِبِهَا عِنْدَ تَفْوِيتِ الْغَاصِبِ الْجَوْدَةَ، وَمَا لَا يُتَقَوَّمُ شَرْعًا.

فَالْجِنْسُ وَغَيْرُ الْجِنْسِ فِيهِ سَوَاءٌ، كَالْخَمْرِ وَالصَّنْعَةِ مِنْ الْمَلَاهِي وَالْمَعَازِفِ، ثُمَّ وُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَإِنَّ حُكْمَ الرِّبَا يَجْرِي بِالْمُقَابَلَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَادَلَةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» يَعْنِي فِي الْمَالِيَّةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ هَذِهِ الْجَوْدَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَدِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ، وَمَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا شَرْعًا فَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ جَائِزٌ، وَبِهَذَا فَارَقَ حَالَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَنَا لَيْسَ لِفَوَاتِ الْجَوْدَةِ بَلْ لِلتَّغَيُّرِ الْمُتَمَكِّنِ بِفِعْلِهِ فِي الْعَيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ قُلْنَا: لَوْ ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ كَانَ فِيهِ إقْرَارٌ بِجَوْدَتِهِ عَنْ الْأَصْلِ، فَأَمَّا إذَا سَلَّمَ الْعَيْنَ إلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ إقْرَارٌ بِجَوْدَتِهِ عَنْ الْأَصْلِ، وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ مَعَ الْأَصْلِ تَبَعًا، فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْمِثْلَ، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ هُوَ دَلِيلٌ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إنَّ بَنِي عَمِّكَ عَدَوْا عَلَى إبِلِي فَقَطَعُوا أَلْبَانَهَا، وَأَكَلُوا فِصْلَانَهَا فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذًا نُعْطِيكَ إبِلًا مِثْلَ إبِلِكَ، وَفِصْلَانًا مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>