فِصْلَانِكَ، قَالَ: إذًا تَنْقَطِعُ أَلْبَانُهَا، وَيَمُوتُ فِصْلَانُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْوَادِي، فَغَمَزَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَقَالَ: بَيْنِي، وَبَيْنَكَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَعَمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَى أَنْ يَأْتِيَ هَذَا وَادِيهِ فَيُعْطَى ثَمَّةَ إبِلًا مِثْلَ إبِلِهِ، وَفِصْلَانًا مِثْلَ فِصْلَانِهِ فَرَضِيَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ وَأَعْطَاهُ
وَبِظَاهِرِ الْحَدِيثِ يَسْتَدِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي أَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَّا أَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الصُّلْحِ بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُتْلِفَ لَمْ يَكُنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَالْإِنْسَانُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِجِنَايَةِ بَنِي عَمِّهِ إلَّا أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَتَبَرَّعُ بِأَدَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمِّهِ، وَيَقُولُ إنَّ قُوَّتَهُمْ وَنُصْرَتَهُمْ بِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ فَرْطُ الْمَيْلِ إلَى أَقَارِبِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ ذَكَرَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الشُّورَى فَقَالَ: إنَّهُ كُلِّفَ بِأَقَارِبِهِ وَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ الْأَعْرَابِيُّ يُطَالِبُهُ، وَإِنَّمَا غَمَزَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ بِعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا كَانَ بَيْنَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَيْنَهُ مِنْ النُّفْرَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ. ثُمَّ فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ يُخَاصِمُهُ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يُحَكِّمَ بِرِضَى الْخَصْمِ مَنْ يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَدَّ مِثْلِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكِ يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَمَ بِذَلِكَ وَانْقَادَ لَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجُبْرَانُ، وَرَفْعُ الْخُسْرَانِ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ الْعَيْنِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَدَاءِ الضَّمَانِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ تَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ.
وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُسْلِمًا كَسَرَ دِنًّا مِنْ خَمْرٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَضَمَّنَهُ شُرَيْحٌ قِيمَةَ الْخَمْرِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، فَإِنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّهِمْ لِتَمَامِ إحْرَازِهَا مِنْهُمْ بِحِمَايَةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيهَا الْمَالِيَّةَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَالُ مُتَقَوِّمًا بِالْإِحْرَازِ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُفَّ عَنْهُمْ الْأَيْدِي الْمُتَعَرِّضَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَيَتِمُّ إحْرَازُهَا مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَسَنُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
(ثُمَّ) فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَ الْإِتْلَافِ دُونَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ عَاجِزٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّ الْمِثْلِ يَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الْقِيمَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَضْمِينَ قِيمَةِ الدَّنِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُشْكِلٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّاوِي مَا هُوَ الْمُشْكِلُ، وَهُوَ تَضْمِينُهُ قِيمَةَ الْخَمْرِ.
(وَإِذَا) غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَازْدَادَتْ عِنْدَهُ فَالزِّيَادَةُ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute