للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: ٩١] فَكَانَتْ مُرَاعَاةُ جَانِبِ التَّعْمِيمِ بِكَلِمَةِ مَا أَوْلَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى التَّعْمِيمِ صَارَتْ الثَّلَاثَةُ مُفَوَّضَةً إلَيْهَا فَكَانَتْ كَلِمَةُ مِنْ لِتَمْيِيزِ الطَّلَاقِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا أَوْ هُوَ صِلَةٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ كَلِمَةُ مَا لِلتَّعْمِيمِ كَمَا قَالَا وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تُتْرَكُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ فَيُعْمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلِمَتَيْنِ وَيَقُولُ يُزَادُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِحَرْفِ التَّعْمِيمِ وَيُنْقَصُ عَنْ الثَّلَاثِ لِحَرْفِ التَّبْعِيضِ فَيَصِيرُ بِيَدِهَا ثِنْتَانِ فَإِذَا أَوْقَعْت وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِاثْنَتَيْنِ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ صَارَتْ مُفَوَّضَةً إلَيْهَا وَفِي الْكِتَابِ اسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِمَا بِمَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا شِئْت جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّهُ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ هُنَاكَ قَامَ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَهُوَ الْعُرْفُ وَلِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّوَسُّعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ كُلِّ لَفْظٍ وَلَوْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى قَالَ الزَّوْجُ لَك أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَخْتَارِينِي فَاخْتَارَتْهُ كَانَتْ قَدْ أَبْطَلَتْ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الزَّوْجَ بِإِسْقَاطِهَا خِيَارَهَا شَيْئًا.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ زَوْجِي بَطَلَ الْخِيَارُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَرْفَ (أَوْ) يَقْتَضِي إثْبَاتَ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتِغَالُهَا بِالْكَلَامِ الْمُبْهَمِ يَكُونُ إبْطَالًا مِنْهَا لِلْخِيَارِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْعَلْ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا عَزِيمَةً فِي كَلَامِهَا وَإِنْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي طَلَقَتْ بِقَوْلِهَا قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَقَوْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَزَوْجِي لَغْوٌ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي فَقَدْ سَقَطَ اخْتِيَارُهَا بِقَوْلِهَا اخْتَرْت زَوْجِي فَقَوْلُهَا وَنَفْسِي بَعْدَ ذَلِكَ لَغْوٌ وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَا خِيَارَ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

(قَالَ) وَإِذَا جَعَلَ الرَّجُلُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْخِيَارِ فِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِأَمْرِهَا فَإِنَّمَا يُمَلِّكُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَى بِالْأَمْرِ ثَلَاثًا كَانَ كَمَا نَوَى، حَتَّى إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْوِيضٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>