للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَجَلٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلِأَجْلِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ وَبِرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا عِنْدَنَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِ الْخَمْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الصَّرْفِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْبَدَلِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَهُنَا يَنْفَرِدُ بِهِ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ.

قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى إلَى النَّيْرُوزِ أَوْ إلَى الْمِهْرَجَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ ذَلِكَ عَادَةً وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إعْلَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ إلَى الْمِيلَادِ قِيلَ: الْمُرَادُ وَقْتُ نِتَاجِ الْبَهَائِمِ.

وَذَلِكَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَصَادِ وَقَبْلَ وِلَادَةِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا هِيَ حُبْلَى، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَقَبْلَ وَقْتِ وِلَادَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا إلَى صَوْمِ النَّصَارَى؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَكَذَا إلَى فِطْرِ النَّصَارَى قَبْلَ أَنْ يَشْرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِحَسَبِ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي الصَّوْمِ جَازَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَإِذَا شَرَعُوا فِي الصَّوْمِ صَارَ وَقْتُ فِطْرِهِمْ مَعْلُومًا

قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا إلَى أَجَلَيْنِ وَتَفَرَّقَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَإِنْ سَاوَمَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَاطَعَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَمْضَى الْبَيْعَ عَلَيْهِ جَازَ

وَلَا بَأْسَ بِطَيْلَسَانٍ كُرْدِيٍّ بِطَيْلَسَانَيْنِ حَوَارِيَّيْنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ وَالْمَقْصُودِ، وَكَذَا لَا بَأْسَ بِمِسْحٍ مَوْصِلِيٍّ بِمِسْحَيْنِ سَارِيَيْنِ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِقَطِيفَةٍ يَمَانِيَّةٍ بِقَطِيفَتَيْنِ كُرْدِيَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ.

وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الصَّنْعَةِ وَالْمَقْصُودَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا وَحُرْمَةُ النِّسَاءِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْبُيُوعِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ فِي زِقٍّ فَوَزَنَهُ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا بِزِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ هُوَ زِقُّكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الزِّقَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْأَمَانَةِ قَوْلُ الْأَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ مِنْ الْمَعْقُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>