- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَالُ حَالٌّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَغَا ذِكْرَهُ فَأَمَّا عَائِشَةُ كَانَتْ تَقُولُ: وَقْتُ خُرُوجِ الْعَطَاءِ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ لَا يَتَأَخَّرُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَكَانَ هَذَا بَيْعًا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَلَكِنَّا أَخَذْنَا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ فِعْلُ الْعِبَادِ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِحَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُمْ وَالْآجَالُ بِالْأَوْقَاتِ دُونَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْبُيُوعِ بِبَدَلٍ مُؤَجَّلٍ إعْلَامُ الْأَجَلِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَإِعْلَامُ الْأَجَلِ يَكُونُ بِمَا لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ مِنْ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ فَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ يَكُونُ مَجْهُولًا وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْعَالِنَا، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ أَوْ أَنَّهُ قَدْ يَتَعَجَّلُ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذْ إبْطَاءُ الْبَرْدِ وَالدِّيَاسِ وَجُذَاذِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ وَرُجُوعُ الْحَاجِّ فِعْلُهُ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ
قَالَ: فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْفَاسِدَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَتَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي اسْتِقْبَالِهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِشْهَادِ وَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ، وَدَلِيلُ فَسَادِ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ أَوْ جِذْعًا فِي سَقْفٍ ثُمَّ نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ كَانَ صَحِيحًا وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ نَفْسَ الْأَجَلِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ جَهَالَةُ وَقْتِ الْحَصَادِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ فَالشِّتَاءُ لَيْسَ زَمَانَ الْحَصَادِ بِيَقِينٍ، وَلَكِنَّهُ وَصَلَ ذَلِكَ الزَّمَانَ بِمَا قَبْلَهُ فِي الذِّكْرِ وَلِأَجْلِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا اتِّصَالٌ يَعْرِضُ لِلْفَصْلِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ مَجِيءُ أَوَانِ الْحَصَادِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الِانْفِصَالُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا كَمَا فِي الْجِذْعِ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَلَكِنْ لِاتِّصَالِهِ بِالسَّقْفِ وَلِلضَّرَرِ فِي نَزْعِهِ كَانَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَإِذَا نَزَعَهُ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَذَا هَذَا حَتَّى لَوْ جَاءَهُ زَمَانُ الْحَصَادِ وَتَحَقَّقَ الِاتِّصَالُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَاكَ انْعِدَامُ شَرْطِ الْجَوَازِ وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ مُتْعَةٌ وَالْمُتْعَةُ عَقْدٌ آخَرُ سِوَى النِّكَاحِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ وَإِمْطَارِ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَجَلٍ فَالْأَجَلُ مَا يَكُونُ مُنْتَظَرَ الْوُجُودِ، وَهُبُوبُ الرِّيحِ وَإِمْطَارُ السَّمَاءِ قَدْ يَتَّصِلُ بِكَلَامِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute