للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدُوا عِنْدَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَنَّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهِمْ فَهُوَ مِنْهُمْ فَمَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِالظَّاهِرِ.

(قَالَ) وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَمْوَالِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا وَيُحَارِبُوا ثُمَّ صَالَحُوا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَلَى إبْطَالِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَأَخَذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُمْ لِلْعِبَادِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ إسْقَاطِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَانَ شَرْطُهُمْ إسْقَاطَ ذَلِكَ عَنْهُمْ شَرْطًا بَاطِلًا فَلَا يُوَفِّي بِهِ.

وَيُصْنَعُ بِقَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ مَا يُصْنَعُ بِالشَّهِيدِ فَلَا يُغَسَّلُونَ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ هَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَبِهِ أَوْصَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَحُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِينَ اُسْتُشْهِدُوا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

[قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ]

وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلَا يُغَسَّلُونَ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى النَّهْرَوَانِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ لَهُمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣]، وَقَدْ مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِغُسْلِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ نَوْعُ مُوَالَاةٍ مَعَهُمْ، وَالْعَادِلُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُوَالَاةِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي حَيَاةِ الْبَاغِي فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هَذَا إذَا بَقِيَتْ لَهُمْ فِئَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ لِلْعَادِلِ بِأَنْ يُغَسِّلَ قَرِيبَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَجُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْأَسِيرِ، وَالتَّجْهِيزِ عَلَى الْجَرِيحِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ مُرَاعَاةَ حَقِّ الْقَرَابَةِ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ.

(قَالَ) وَأَكْرَهُ أَنْ تُؤْخَذَ رُءُوسُهُمْ فَيُطَافُ بِهَا فِي الْآفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ»، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَنَعَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوبِهِ، وَهُوَ الْمُتَّبَعُ فِي الْبَابِ، وَلَمَّا حُمِلَ رَأْسُ يَبَابَ الْبِطْرِيقِ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَرِهَهُ فَقِيلَ: إنَّ الْفُرْسَ، وَالرُّومَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَسْنَا مِنْ الْفُرْسِ، وَلَا الرُّومِ يَكْفِينَا الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ، وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ أَوْ طُمَأْنِينَةُ قَلْبِ أَهْلِ الْعَدْلِ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ حَمَلَ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ».

وَإِذَا قَتَلَ الْعَادِلُ فِي الْحَرْبِ أَبَاهُ الْبَاغِي وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ فَلَا يُحْرِمُهُ الْمِيرَاثَ كَالْقَتْلِ رَجْمًا أَوْ فِي قِصَاصٍ، وَهَذَا لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ شُرِعَتْ جَزَاءً عَلَى قَتْلِ مَحْظُورٍ فَالْقَتْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ، وَكَذَلِكَ الْبَاغِي إذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ الْعَادِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>