للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالدَّارِ إنْ كَانَتْ رَهَنَتْ فَلِقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَتْ ارْتَهَنَتْ فَلِقِيَامِ حَقِّ وَرَثَتِهَا وَبَقَاءِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جَمِيعًا، قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ الْمُرْتَدُّ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحُرِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ لِقِيَامِ الْكِتَابَةِ فَيُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَهَذَا لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى رَاضٍ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِتَصَرُّفِهِ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِهِ، قَالَ فَإِنْ لَحِقَ الْمُكَاتَبُ بِالدَّارِ مُرْتَدًّا كَانَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُسِرَ أَوْ سُبِيَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَانَ بَعْدَ لِحَاقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ مَوْتِهِ وَمَوْتُهُ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ فَكَذَلِكَ لِحَاقُهُ فَلِهَذَا بَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الدَّمِ وَالصُّلْحِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ وَكِيلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ هُوَ وَآخَرُ مَعَهُ إنْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ قَبُولَهُ الْوَكَالَةَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَشَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ تَجُوزُ فَعَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْلَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ صَارَ قَائِمًا مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْوَكِيلِ إنْكَارٌ فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ إنْكَارٌ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ وَالشَّهَادَةُ مَعَ التَّنَاقُضِ لَا تُقْبَلُ

قَالَ وَالتَّوْكِيلُ بِطَلَبِ دَمِ جِرَاحَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَيْسَ فِيهَا قَوَدٌ جَائِزٌ مِثْلُ التَّوْكِيلِ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْعَمْدَ الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ مُوجَبُهُ مُوجِبُ الْخَطَأِ وَهُوَ الْمَالُ وَهَذَا التَّوْكِيلُ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِ الْفِعْلِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ مَالٌ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ رَجُلًا ادَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَأَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ فَصَالَحَهُ الْوَكِيلُ عَلَى مِائَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْمَالُ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَقُولُ صَالِحْ فُلَانًا مِنْ دَعْوَاك عَلَى كَذَا، وَفِي مِثْلِهِ الْعَاقِدُ يَكُونُ سَفِيرًا وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ دُونَ الْوَكِيلِ، قَالَ وَالْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَهُوَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى صَاحِبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>