الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ فَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ إبَاؤُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مِنْهُ تَفْوِيتُ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَالْإِحْسَانُ فِي التَّسْرِيحِ أَنْ يُوفِيَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا
(قَالَ): وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الْحَرْبِيِّينَ مُسْلِمًا ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لَهَا قَالَ: لِأَنَّ الْعِصْمَةَ انْقَطَعَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِخُرُوجِ أَوَّلِهِمَا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ وُجُوبَ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْيَدِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الْمَوْلَى وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ كَمَا يَقْطَعُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ يَقْطَعُ مِلْكَ الْيَدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْخَارِجُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَرْبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تَكُونُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ النَّفَقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ]
(قَالَ:) وَلِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِثَلَاثٍ أَوْ وَاحِدَةٍ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ؛ فَلِأَنَّهَا فِي بَيْتِهِ مَنْكُوحَةٌ لَهُ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا أَشْرَفَ النِّكَاحُ عَلَى الزَّوَالِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ آلَى مِنْهَا، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمُضِيِّ شَهْرٍ فَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَنَا. وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ فِي الْعِدَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى» إلَّا أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامًا؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ زَوْجَ فَاطِمَةَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ إذَا سَمِعَ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ رَمَاهَا بِكُلِّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ الْعَالَمَ، أَيْ بِرِوَايَتِهَا هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلَا سُنَّةَ نَبِيًّا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ. سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ " وَتَأْوِيلُهُ إنْ ثَبَتَ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ وَوَكَّلَ أَخَاهُ بِأَنْ يُنْفِقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute