أَنْ يُفَسِّرَ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَسُئِلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ وَمَاهِيَّتِه وَقَالُوا لَا نَزِيدُ لَك عَلَى هَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَيِّنُوا مُبْهَمَ كَلَامِهِمْ وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ فَإِنَّ تَكَامُلَ عَدَدِ الشُّهُودِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْفُسَّاقِ بِالزِّنَا، وَكَذَلِكَ إنْ وَصَفَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ فِي أَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَامْتِنَاعُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْبَيَانِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُقَامُ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا كَمَا فِي فِسْقِ الشُّهُودِ
(قَالَ) أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيقَ الثَّانِيَ عُدُولٌ شَهِدُوا عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِالزِّنَا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، وَقَدْ ثَبَتَ فِسْقُهُمْ لِظُهُورِ زِنَاهُمْ بِالْحُجَّةِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ، وَبَقِيَتْ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنْ قَصَدَ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إبْطَالَ شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَ لَمْ يَشْهَدُوا إلَى أَنْ شَهِدَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ قَاصِدِينَ إلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِمْ أَوْ كَانُوا صَادِقِينَ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَارُوا السَّتْرَ فَلَمَّا شَهِدَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ حَمَلَتْهُمْ الضَّغِينَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ دُونَ الْحِسْبَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلِأَنَّ فِي لَفْظِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمُجَازَاةُ دُونَ الْحِسْبَةِ، فَإِنَّ فِي الشَّهَادَةِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ يَقُولُونَ زَنَوْا وَهُمْ زُنَاةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَازَاةِ ثُمَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاتُرِ فَرُبَّمَا يَشْهَدُ فَرِيقٌ ثَالِثٌ عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْحَدِّ بِهِ
[شَهِدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَامْرَأَتَانِ بِالزِّنَا]
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَامْرَأَتَانِ بِالزِّنَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ «لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي حَدِّ الزِّنَا» فَكَانُوا جَمِيعًا قَذَفَةً
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا ضَرْبُ شُبْهَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسِنَةُ تُمْكِنُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ مَنْصُوبَةٌ لِلْحَاجَةِ وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَا إنَّمَا حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ بِذَلِكَ وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا، فَإِنْ قَدِمَ الْأُصُولُ فَشَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute