الرَّجُلِ بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَهْدَ قَدْ تَطَاوَلَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِرَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ نَقْبَلُ شَهَادَةَ الْأُصُولِ أَيْضًا فَفِي الْمَوْضِع الَّذِي تُرَدُّ أَيْضًا يَتَعَدَّى رَدُّهُ إلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ، وَلِأَنَّا إنَّمَا لَا نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَالشُّبْهَةُ تَصْلُحُ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِهَا لَا لِإِيجَابِ الْحَدِّ.
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي نَشْهَدُ أَنَّكُمَا زَانِيَانِ وَقَدَّمُوهُمَا إلَى الْقَاضِي وَشَهِدُوا عَلَيْهِمَا وَقَالَا: إنَّهُمْ قَدْ قَالُوا لَنَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعُونَا إلَيْك، وَلَنَا بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ تَسْقُطْ شَهَادَتُهُمْ بِهِ وَحُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُمْ عُدُولٌ.
(فَإِنْ قِيلَ) صَارُوا قَاذِفِينَ لَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانُوا مُتَّهَمِينَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ قَصَدُوا بِهَا إسْقَاطَ الْحَدِّ.
(قُلْنَا) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَكَامُلَ الْعَدَدِ كَمَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فِعْلِهِمَا النَّدَمُ مَعْنَاهُ أَنَّ مَقْصُودَ الشُّهُودِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي أَنَّكُمَا زَانِيَانِ لِيَظْهَرَ النَّدَمُ لِيَسْتُرُوا عَلَيْهِمَا أَوْ الْإِصْرَارُ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِمَا، وَالشَّاهِدُ مَنْدُوبٌ إلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ شَهَادَتُهُمْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ قَذْفًا وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَذْفًا
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا فَقَالَ: اثْنَانِ طَاوَعَتْهُ، وَقَالَ آخَرَانِ: اسْتَكْرَهَهَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُحَدُّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ لَهُمَا أَنَّ الْحُجَّةَ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ تَمَّتْ مُوجِبَةً لِلْحَدِّ فَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي حَالِهَا، وَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْفِعْلِ فِي جَانِبِهِ فَإِنَّ الْكُلَّ لَوْ اتَّفَقُوا أَنَّهَا كَانَتْ طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلَانِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ عَلَى الرَّجُلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا بِفِعْلٍ آخَرَ فَمَا لَمْ يَتَّفِقْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ الزِّنَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ شَهِدَا بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ طَائِعَةً كَانَتْ شَرِيكَةً لَهُ فِي الْفِعْلِ حَتَّى تُشَارِكَهُ فِي إثْمِ الْفِعْلِ وَشَاهِدَا الْإِكْرَاهِ شَهِدَا بِفِعْلٍ تَفَرَّدَ بِهِ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفِعْلِ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى لَا تُشَارِكَهُ فِي إثْمِ الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ الْمُشْتَرَكُ غَيْرُ الْفِعْلِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الرَّجُلُ، وَقَوْلُنَا إنَّ الزِّنَا فِعْلَانِ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute