للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَاعَةَ يَحِلُّ فَإِنْ أَخَّرَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلضَّمِّ، وَعِنْدَ لِلْقُرْبِ، وَحِينَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ عَادَةً فَكَأَنَّهُ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ فَإِذَا أَخَّرَهُ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَوَجَأَهُ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ قَرَصَهُ أَوْ مَدَّ شَعْرَهُ أَوْ عَضَّهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِعْلٌ مُوجِعٌ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ أَوْ التَّأْدِيبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُوجِعٌ مُوَصِّلٌ الْأَلَمَ إلَى قَلْبِهِ فَكَانَ ضَرْبًا، وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةِ الْقَاصِدُ إلَى ضَرْبِ عَبْدِهِ إنَّمَا يَقْصِدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَيُسَمَّى فِعْلُهُ ضَرْبًا وَمَنْ يُعَايِنُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُسَمِّيه ضَارِبًا عَبْدَهُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَخَفَّفَ بَرَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ أَصْلُ الضَّرْبِ دُونَ نِهَايَتِهِ وَالْخَفِيفُ كَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ لَا يَتَنَاوَلُ نِهَايَةَ الشَّيْءِ وَإِنْ جَمَعَهَا جَمَاعَةٌ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِهَا لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ضَارِبًا لَهُ بِمَا يَصِلُ إلَى بَدَنِهِ وَالْوَاصِلُ إلَى بَدَنِهِ بَعْضُ السِّيَاطِ حِينَ جَمَعَ الْكُلَّ جَمْعًا فَلِهَذَا لَا يَبَرُّ.

وَلَوْ ضَرَبَهُ بِهِ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الشُّعْبَتَانِ بَرَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ شُعْبَةٍ سَوْطٌ وَاقِعٌ عَلَى بَدَنِهِ ضَرْبًا فَيَصِيرُ بِكُلِّ إيقَاعٍ ضَارِبًا لَهُ سَوْطَيْنِ فَإِذَا ضَرَبَهُ خَمْسِينَ فَقَدْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَهُوَ شَرْطُ بِرِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يَصِيرُ مُقِيمًا حَدَّ الزِّنَا بِهَذَا الْمِقْدَارِ؟ فَكَذَلِكَ الْحَالِفُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ الْبِشَارَةِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا قَالَ: أَيُّ غِلْمَانِي بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ بِذَلِكَ وَاحِدٌ ثُمَّ آخَرُ عَتَقَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَشِيرٌ وَالْآخَرَ مُخْبِرٌ فَإِنَّ الْبَشِيرَ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ فَتَتَغَيَّرُ عِنْدَ سَمَاعِهِ بَشَرَةُ وَجْهِهِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْبَرَهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ فَالْعِلْمُ بِالْمُخْبَرِ بِهِ يَتَعَقَّبُ الْخَبَرَ وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ تَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ.

وَلَوْ بَعَثَ أَحَدَ غِلْمَانِهِ مَعَ رَجُلٍ بِالْبِشَارَةِ فَقَالَ: إنَّ غُلَامَك يُبَشِّرُك بِكَذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَالْبَشِيرُ هُوَ الْمُرْسَلُ وَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [آل عمران: ٤٥] وَإِنَّمَا سَمِعْت مِنْ رُسُلِ اللَّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ كَانَ بِشَارَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ كِتَابًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ بِالْكِتَابِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت الْمُشَافَهَةَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنَّ الْبِشَارَةَ إنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً مِنْهُ إذَا سَمِعَهُ بِعِبَارَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>