ذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ، فَإِنَّ الْخَلْطَ فِي الْعَمَلِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: جَوَازُ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ. وَتَوْكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ. وَالنَّاسُ تَعَامَلُوا بِهَذِهِ الشَّرِكَةِ، وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الشَّرِكَةِ. .
[اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي طَرِيقِ الشَّرِكَةِ]
ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي طَرِيقِ الشَّرِكَةِ يَكُونُ بِالْمَالِ تَارَةً وَبِالْعَمَلِ أُخْرَى، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِمَالِهِ وَالْمُضَارِبَ بِعَمَلِهِ. وَذَلِكَ الْعَقْدُ شَرِكَةُ الْإِجَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ. فَإِذَا صَحَّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِالْمَالِ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الْأَعْمَالُ أَوْ اخْتَلَفَتْ " عِنْدَنَا ". وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ اتَّفَقَتْ الْأَعْمَالُ كَالْقَصَّارَيْنِ وَالصَّبَّاغَيْنِ إذَا اشْتَرَكَا يَجُوزُ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ بِأَنْ يَشْتَرِكَ قَصَّارٌ وَصَبَّاغٌ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ صَاحِبُهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صَنْعَتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: جَوَازُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَالتَّوْكِيلُ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ مِمَّنْ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَمِمَّنْ لَا يُحْسِنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدِهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِأَعْوَانِهِ، وَأُجَرَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ ذَلِكَ؛ فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.
(وَهَذَا) النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ قَدْ يَكُونُ عَنَانًا، وَقَدْ يَكُونُ مُفَاوَضَةً عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ مَتَى كَانَ مُفَاوَضَةً فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِمَا يَلْتَزِمُهُ صَاحِبُهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَمَتَى كَانَ عَنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ - كَمَا هُوَ حُكْمُ الْوَكَالَةِ -.
(إذَا) عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: بَدَأَ الْكِتَابُ بِبَيَانِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَأَنَّهُمَا كَيْفَ يَكْتُبَانِ كِتَابَ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَالشَّرِكَةُ عَقْدٌ يَمْتَدُّ فَيُسْتَحَبُّ الْكِتَابُ فِي مِثْلِهِ؛ لِيَكُونَ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فِيمَا يَجْرِي مِنْ الْمُنَازَعَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢]. ثُمَّ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِ: التَّوَثُّقُ وَالِاحْتِيَاطُ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ عَلَى أَوْثَقِ الْوُجُوهِ، وَيُتَحَرَّزَ فِيهِ مِنْ طَعْنِ كُلِّ طَاعِنٍ. ثُمَّ بَدَأَ فَقَالَ: (هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ)، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشُّرُوطِ عَابُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا اللَّفْظِ؛ فَقَالَ: هَذَا إشَارَةٌ إلَى الصَّكِّ، فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ مَا اشْتَرَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّبَعَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيمَا اخْتَارَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: هَذَا مَا تُوعَدُونَ} [ص: ٥٣]، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَعْدِ لِلْأَبْرَارِ، وَالْوَعِيدِ لِلْفُجَّارِ. «وَلَمَّا اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا، أَمَرَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute