الْحَدِيدِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ لِإِظْهَارِ حَقَارَةِ السَّارِقِ، فَقَدْ أَضْمَرَ فِي كَلَامِهِ هَذَا الْمَعْنَى لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ وَيَكُونَ كَلَامُهُ حَقًّا عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ يُمَازِحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا»، وَقِيلَ: إنَّ هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ لِزِيَادَةِ التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ ثُمَّ انْتَسَخَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ بِاعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الْمَسْرُوقِ
[النِّصَابِ فِي الْمَسْرُوقِ]
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ النِّصَابِ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»، وَلِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَاخْتُلِفَ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِيمَةِ يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ فِي ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، فَلِهَذَا قَدَّرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - النِّصَابَ بِهِ.
وَقَدْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشْرَ دِرْهَمًا فَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ يَكُونُ رُبْعَ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُقْطَعُ الْخَمْسُ إلَّا بِخَمْسَةٍ يَعْنِي الْيَدُ الَّتِي عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ إلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَمَنْ اعْتَبَرَ بِأَرْبَعِينَ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ فَكَانَتْ تُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَهُوَ كَانَ يَوْمَئِذٍ ذَا ثَمَنٍ»، وَهَذَا مِنْهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ مَالًا خَطِيرًا وَالْخَطِيرُ مَا يَكُونُ مِقْدَارًا يُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَأَدْنَى ذَلِكَ الْأَرْبَعُونَ فِي نِصَابِ الشِّيَاهِ.
وَعُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَهَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ، وَلَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ»، وَعَنْ أَيْمَنَ بْنِ أَبِي أَيْمَنَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ الْمِجَنَّ الَّذِي قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» وَالرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُلَّةِ الْغُزَاةِ فَكَانُوا أَعْرَفَ بِقِيمَةِ السِّلَاحِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ إنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute