الْأَخْذَ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَكْثَرِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى دَرْءِ الْحَدِّ فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ ثَوْبًا فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ، قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ سَرِقَتَهُ لَا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَمَرَ بِتَقْوِيمِهِ فَقُوِّمَ بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهُ فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ النِّصَابَ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَيُعْتَبَرُ نِصَابُ الْحَدِّ بِنِصَابِ الْمَهْرِ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ أَدْنَاهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمُسْتَحَقُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ خَطَرٌ، وَهُوَ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِمَالٍ خَطِيرٍ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اضْطَرَبَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا سَمِعَ مَنْ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا رَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ وَكَانَتْ تُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا نَصٌّ لَمَا اشْتَغَلَتْ بِهَذَا الْجَوَابِ الْمُبْهَمِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ التَّقْدِيرُ بِرُبْعِ دِينَارٍ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِيَكُونَ النَّاسِخُ أَخَفَّ مِنْ الْمَنْسُوخِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُعْتَبَرُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ النَّقْرَةِ الْمَضْرُوبَةِ حَتَّى رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا سَرَقَ نَقْرَةً لَا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ النَّقْدِ الْغَالِبِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ فِيهَا غَالِبَةً عَلَى الْغِشِّ، وَأَمَّا مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ فَهُوَ مِنْ الْفُلُوسِ لَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ شَرْطَ الْعُقُوبَةِ يُرَاعَى وُجُودُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، فَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَغْشُوشَةً فَالْغِشُّ لَيْسَ مِنْ الْفِضَّةِ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا الْقَطْعَ عَلَيْهِ كَانَ إيجَابُ الْقَطْعِ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ وَمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبْهَةِ، فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ النَّقْرَةِ الْمَضْرُوبَةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ ذَلِكَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْإِفْرَارِ
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - قَالُوا: إذَا أَصَابَ مِنْ الْحُدُودِ فِيهَا الْقَتْلَ قُتِلَ وَأُلْغِيَ مَا سِوَى ذَلِكَ مَعْنَاهُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا مَا فِيهِ حَقُّ الْعِبَادِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ مُقَدَّمًا لِمُرَاعَاةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَتْلُ أَهَمُّ، وَفِي مَعْنَى الزَّجْرِ أَتَمُّ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ لَا فَائِدَةَ فِي الْجَلْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute