الْكَفَّارَتَيْنِ، فَصَامَ لِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ أَطْعَمَ لِلْأُخْرَى لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فِي حَالِ وُجُودِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ بَعْدَ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ عَنْ يَمِينٍ فَقَدْ صَارَ غَيْرَ وَاجِدٍ فِي حَقِّ الْيَمِينِ الْأُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ مُحْدِثَيْنِ فِي سَفَرٍ، وَجَدَا مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارَ مَا يَكْفِي لِوُضُوءِ أَحَدِهِمَا، فَتَيَمَّمَ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ الْآخَرُ بِهِ، فَعَلَى مَنْ تَيَمَّمَ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ بِهِ الْآخَرُ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الصَّوْمِ الِابْتِدَاءُ بِمَا هُوَ شَاقٌّ عَلَى بَدَنِهِ، وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ فِي حَقِّ زَيْدٍ بِأَدَاءِ عَمْرٍو. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابٌ مِنْ الْأَيْمَانِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى أَمْرٍ لَا يَفْعَلُهُ أَبَدًا، ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا يَفْعَلُهُ أَبَدًا، ثُمَّ فَعَلَهُ، كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ يُبَاشِرُهُ بِمُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، وَهُوَ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، وَالثَّانِي فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَهُمَا عَقْدَانِ، فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَهَذَا إذَا نَوَى يَمِينًا أُخْرَى، أَوْ نَوَى التَّغْلِيظَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّغْلِيظِ بِهَذَا يَتَحَقَّقُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ صِيغَةُ الْكَلَامِ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ خُصُوصًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا تَتَدَاخَلُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِالْكَلَامِ الثَّانِي الْيَمِينَ الْأَوَّلَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّكْرَارَ، وَالْكَلَامُ الْوَاحِدُ قَدْ يُكَرَّرُ فَكَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا مِنْهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ مَذْكُورٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ هَذَا إيجَابُ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، فَكَانَ الثَّانِي إيجَابًا كَالْأَوَّلِ فَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الْإِيقَاعِ وَالْإِيجَابِ، وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ بِحَجَّةٍ، وَالْأُخْرَى بِاَللَّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَحَجَّةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَكْرَارِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ هُنَا فَانْعَقَدَتْ يَمِينَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute