للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يَحِلُّ وَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تُشْتَهَى بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَمَنْ قَذَفَ هَذَا الَّذِي جَامَعَ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِهِ وَطْئًا حَرَامًا فَإِنَّ الْوَطْءَ الْحَرَامَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مُسْقِطًا لِلْإِحْصَانِ، وَالصُّورَةُ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ

(قَالَ) رَجُلٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَكَسَرَ فَخِذَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمْدِ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْإِفْضَاءِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ عَمْدٌ فَيَسْتَقِيمُ إدْخَالُ الْمَهْرِ فِيهِ

(قَالَ) وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ إلَى الزَّانِيَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِهَذَا النَّظَرِ صِحَّةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَرَوْا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يُوجِبُ الْفِسْقَ وَإِنْ تُعُمِّدَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَابِلَةَ تَنْظُرُ وَالْخَتَّانُ وَالْحَافِظَةُ كَذَلِكَ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا: رَأَيْنَا ذَلِكَ وَلَمْ نَتَعَمَّدْ النَّظَرَ

(قَالَ) وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا أَنَّهَا صَارَتْ مُفْضَاةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى الْإِفْضَاءِ وَمَا لَمْ يُفَسِّرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْجِنَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْأَرْشِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ

[أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا]

(قَالَ) وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّعْزِيرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ اللِّوَاطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عَلَيْهِمَا، وَعِنْدَهُمَا يُحَدَّانِ حَدَّ الزِّنَا يُرْجَمَانِ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ وَيُجْلَدَانِ إنْ كَانَا غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ قَالَ: يُقْتَلَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «اُرْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي حَقِّ مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرْتَدًّا فَيُقْتَلُ لِذَلِكَ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» يَعْنِي إذَا اسْتَحَلَّ ذَلِكَ.

(وَحُجَّتُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ زِنًى فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَدُّ الزِّنَا بِالنَّصِّ، فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ فَلِأَنَّ الزِّنَا فَاحِشَةٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ فَاحِشَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: ٨٠] وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مَعْنَوِيٌّ لَهُ غَرَضٌ وَهُوَ إيلَاجُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ مَحْظُورٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَإِنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْجٌ يَجِبُ سَتْرُهُ شَرْعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَهًى طَبْعًا حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرْعَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَحَلُّ إنَّمَا يَصِيرُ مُشْتَهًى طَبْعًا لِمَعْنَى الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلِهَذَا وَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>