للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُدٌّ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هَذَا الْمِقْدَارَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الصَّوْمَ يَصُومُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ يُطْعِمُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّوْمَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥] فَإِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.

[قَتَلَ الْمُحْرِمُ الْجَرَادَ]

(قَالَ) وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الْجَرَادَ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، وَقِصَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.

(قَالَ) وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَالنَّمْلِ وَالْحَلَمَةِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّيُودِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفِرُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّيُودِ كَانَتْ مُؤْذِيَةً بِطَبْعِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ فِي إحْرَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ قُمْ فَقَرِّدْ الْبَعِيرَ فَقَالَ أَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ لَوْ أَمَرْتُك بِنَحْرِهِ هَلْ كُنْت تَنْحَرُهُ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ كَمْ مِنْ قُرَادٍ وَحَمْنَانَةٍ تُقْتَلُ بِالنَّحْرِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْقُرَادِ وَالْحَمْنَانَةِ شَيْءٌ، وَيُكْرَهُ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلَةِ لَا لِأَنَّهُ صَيْدٌ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ يَنْمُو مِنْ بَدَنِهِ فَيَكُونُ قَتْلُهُ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ فَإِنْ قَتَلَهَا فَمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْقَمْلَةِ إذْ لَا خَيْرَ فِي الْقَمْلِ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَمْلَةُ ضَالَّةٌ لَا تُلْتَمَسُ فَلِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَاجِبِ بِمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ.

[الِاغْتِسَال لِلْمُحْرِمِ]

(قَالَ)، وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغْتَسَلَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ إنَّ الْمَاءَ يَقْتُلُ هَوَامَّ الرَّأْسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَاءُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا شَعَثًا.

(قَالَ) وَلَوْ أَنَّ حَلَالًا أَصَابَ بَيْضًا مِنْ بَيْضِ الصَّيْدِ فَأَعْطَاهُ مُحْرِمًا فَشَوَاهُ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ لِأَنَّ الْبَيْضَ أَصْلُ الصَّيْدِ، وَقَدْ أَفْسَدَهُ الْمُحْرِمُ بِفِعْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ مَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّهِ إلَى الذَّكَاةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الذَّكَاةِ فِي حِلِّ تَنَاوُلِ الْبَيْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْمَجُوسِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَذَا الْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ، وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ كَمَا لَوْ دَلَّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ، وَلَا يَحْرُمُ بِهِ تَنَاوُلُ الصَّيْدِ.

(قَالَ) مُحْرِمٌ أَصَابَ صَيْدًا كَثِيرًا عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ وَالرَّفْضِ لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>