يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ عَادَةِ الصَّيَّادِينَ أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ يَرْمِي بِقِطْعَةٍ مِنْهُ إلَيْهِ، وَكَأَنَّ الْكَلْبَ طَالَبَهُ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَهُوَ دَلِيلُ حِذْقِهِ لَا دَلِيلُ جَهْلِهِ، وَإِنْ انْتَهَشَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ قِطْعَةً فِي اتِّبَاعِهِ إيَّاهُ فَأَكَلَهَا ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ الْقِطْعَةَ الَّتِي تَمَكَّنَ مِنْهَا مِنْ الصَّيْدِ عَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ وَأَنَّ سَعْيَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْإِمْسَاكِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَكْلَ مِمَّا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ شَبِعَ بِتَنَاوُلِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَلْقَى تِلْكَ الْقِطْعَةَ وَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى أَخَذَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ تِلْكَ الْقِطْعَةَ لَمْ تَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ حِينَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ، وَتَنَاوُلُهُ تِلْكَ الْقِطْعَةَ بَعْدَ وُصُولِ الصَّيْدِ إلَى صَاحِبِهِ كَتَنَاوُلِ قِطْعَةٍ أَلْقَاهَا إلَيْهِ صَاحِبُهُ بَلْ ذَلِكَ دَلِيلُ حِذْقِهِ حَتَّى اشْتَغَلَ بِتَنَاوُلِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ الصَّيْدَ فَكَذَلِكَ هَذَا.
[صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتُهُ]
قَالَ: (وَلَا يَحِلُّ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ، وَلَا ذَبِيحَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ»)، وَلِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِاثْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَذَلِكَ شَرْطُ الْحِلِّ فِي الذَّكَاةِ إلَّا فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الذَّكَاةِ مِنْ سَمَكٍ أَوْ جَرَادٍ وَبِيضِهِ بِأَخْذِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحِلَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ يَثْبُتُ بِالْفِعْلِ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَلَا اقْتِرَابِ التَّسْمِيَةِ بِالْفِعْلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ لِلْحِلِّ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفِعْلُ، وَالْمُرْتَدُّ فِي ذَلِكَ كَالْمَجُوسِيِّ، أَمَّا إذَا ارْتَدَّ لِغَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فِيمَا اعْتَقَدَهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ، وَقَدْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا مِلَّةَ لَهُ، وَالنِّكَاحُ وَحِلُّ الذَّبِيحَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْمِلَّةِ.
[صَيْدِ الْمُسْلِمِ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ الْمُعَلَّمِ وَبَازِيهِ]
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْمُسْلِمِ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ الْمُعَلَّمِ وَبَازِيهِ، كَمَا يُذْبَحُ بِسِكِّينِهِ)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْآلَةِ أَنْ تَكُونَ جَارِحًا، فَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَوْنِ مَالِكِهِ مَجُوسِيًّا أَوْ مُسْلِمًا، وَالشَّرْطُ يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ فِي الذَّبْحِ وَالِاصْطِيَادِ، وَالْمُسْلِمُ هُوَ مِنْ أَهْلِ إيجَادِ هَذَا الشَّرْطِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ وَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ)، كَمَا لَوْ زَجَرَهُ مُسْلِمٌ آخَرُ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ إرْسَالِهِ كَانَ فِعْلًا مُوجِبًا لِلْحُرْمَةِ، وَلَمْ يُنْسَخْ ذَلِكَ بِالزَّجْرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْجِنْسِ إلَى وَقْتِ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - لَمْ يَحْرُمْ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute