مِنْ عَوْرَتِهَا فِي رَمَلِهَا، وَسَعْيِهَا أَوْ تَسْقُطَ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا فَلِهَذَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَتُؤْمَرُ بِأَنْ تَمْشِيَ مَشْيًا فَهَذَا الْقَدْرُ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِي الْفَرْقِ، وَقَدْ قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّهَا لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ أَيْضًا لِمَا فِي رَفْعِ صَوْتِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ، وَكَذَلِكَ لَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ وَالزَّحْمَةِ مَعَهُمْ فَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إلَّا إذَا وَجَدَتْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ خَالِيًا عَنْ الرِّجَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ الطَّوَافِ]
(بَابُ الطَّوَافِ) اعْلَمْ بِأَنَّ الطَّوَافَ أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَوَاحِدٌ فِي الْعُمْرَةِ:
أَمَّا أَحَدُ الْأَطْوِفَةِ فِي الْحَجِّ فَهُوَ طَوَافُ التَّحِيَّةِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ وَطَوَافَ اللِّقَاءِ، وَذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ وُصُولِهِ إلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِهِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَهَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ لِلتَّعْظِيمِ فَالنُّسُكُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الزِّيَارَةِ يَكُونُ وَاجِبًا بِمَنْزِلَةِ الذِّكْرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ التَّكْبِيرُ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالطَّوَافِ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَبِالْإِجْمَاعِ طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ وَاجِبٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ قَبْلَهُ فَمَا يُؤْتَى بِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ رُكْنٌ وَاحِدٌ فِي الْإِحْرَامِ وَاجِبًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَجَعَلْنَاهُ سُنَّةً لِهَذَا بِخِلَافِ طَوَافِ الصَّدَرِ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ وَاجِبًا لَا يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الطَّوَافِ وَاجِبًا فِي الْإِحْرَامِ، وَالطَّوَافُ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ ثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ هُنَا كَالتَّكْبِيرِ هُنَاكَ، وَكَمَا أَنَّ ثَنَاءَ الِافْتِتَاحِ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عَقِيبَ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الطَّوَافُ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عَقِيبَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ. وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ وَاجِبٌ، وَلَا يَكُونُ الْوَاجِبُ بِنَاءً عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْعُذْرَ عَنْ هَذَا فِيمَا مَضَى.
وَالطَّوَافُ الثَّانِي طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: ٣]، وَالْمُرَادُ بِهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ.
وَالطَّوَافُ الثَّالِثُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute