للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَأْتِي بِهِ الْآفَاقِيُّ دُونَ الْمَكِّيِّ، وَمَا يَكُونُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَالْآفَاقِيُّ وَالْمَكِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.

(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ»، وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَتَخْصِيصُ الْحَائِضِ بِرُخْصَةِ التَّرْكِ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْضًا، وَكَمَا أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ لِتَمَامِ التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَطَوَافُ الصَّدَرِ لِانْتِهَاءِ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى مَنْ يَنْتَهِي مُقَامُهُ بِهَا، وَهُوَ الْآفَاقِيُّ أَيْضًا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ دُونَ الْمَكِّيِّ الَّذِي لَا يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُسَمَّى هَذَا طَوَافَ الْوَدَاعَ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ دُونَ مَنْ لَا يُوَدِّعُهُ فَأَمَّا الطَّوَافُ الرَّابِعُ فَهُوَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ الرُّكْنُ فِي الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَلَا طَوَافُ الْقُدُومِ أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّهُ كَمَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقُدُومِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَيَأْتِي بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعُمْرَة طَوَافُ الصَّدَرِ أَيْضًا فِي حَقِّ مَنْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ، وَمَا هُوَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي نُسُكٍ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ، وَلِأَنَّ مَا هُوَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ مَقْصُودٌ، وَطَوَافُ الصَّدَرِ تَبَعٌ يَجِبُ لِقَصْدِ تَوْدِيعِ الْبَيْتِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا وَتَبَعًا

(قَالَ) وَإِذَا قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ فَلَمْ يَطُفْ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ كَانَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنَّ عِنْدَهُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَدْخُلُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَوَافٌ مَقْصُودٌ لِلْعُمْرَةِ، وَعِنْدَنَا لَا يَدْخُلُ طَوَافُ الْحَجِّ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ فِي الْأَدَاءِ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا يَفُوتُهُ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ، وَيَصِيرُ بِهِ مُؤَدَّيَا لِلْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ الْفَوْتَ فَلَوْ بَقِيَتْ عُمْرَتُهُ لَكَانَ يَأْتِي بِأَعْمَالِهَا فَيَصِيرُ بَانِيًا أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا لَيْسَ بِصِفَةِ الْقِرَانِ فَجَعَلْنَاهُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ لِهَذَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ عَلَيْهَا بِسَرِفٍ، وَهِيَ تَبْكِي قَالَ مَا يُبْكِيكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ فَقَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَدَعِي عَنْكِ الْعُمْرَةَ أَوْ قَالَ اُرْفُضِي عُمْرَتَك وَانْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>