للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ

وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ هُنَاكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ هُنَاكَ، فَإِنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ نُهْبَةٍ وَغَارَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ذِمِّيَّةً تَبَعًا لِزَوْجِهَا فَتُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

(قَالَ): وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا أَنْ تَشْتَرِيَ لَهُ وَتَبِيعَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ، فَأَمَّا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لِلْأَبِ، أَوْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ وَصِيَّةَ أَبِيهِ فَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ بِسَبَبِ الْوِصَايَةِ لَا بِسَبَبِ الْأُمُومَةِ.

(قَالَ): وَكُلُّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ تَرْتَدَّ، فَحِينَئِذٍ إنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ إلَّا أَنْ تَتُوبَ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ.

(قَالَ): وَإِذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ فَلَا سَبِيلَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ عَقَلَ وَكَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلِي عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَضُمُّهُ الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ؛ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ فُصُولِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْخُلْعِ]

(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَالْخُلْعُ جَائِزٌ، وَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا، وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ فَسْخٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] إلَى أَنْ قَالَ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] إلَى أَنْ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، فَلَوْ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا صَارَتْ التَّطْلِيقَاتُ أَرْبَعًا فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ حَتَّى يُفْسَخَ بِخِيَارِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَخِيَارِ الْعِتْقِ، وَخِيَارِ الْبُلُوغِ عِنْدَكُمْ فَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي أَيْضًا، وَذَلِكَ بِالْخُلْعِ، وَاعْتَبَرَ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ الْمُحْتَمِلَةَ لِلْفَسْخِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي جَوَازِ فَسْخِهَا بِالتَّرَاضِي.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ»، وَالْمَعْنَى فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>