إلَيْهِ سَبَبَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي حَالَةِ الرِّضَا أَنَّ أَخْلَاقَك تُشْبِهُ أَخْلَاقَ فُلَانٍ فَكَأَنَّك ابْنُهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ قَذْفًا
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ، فَإِنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ الْأَدْنَى حَقِيقَةً وَنِسْبَتُهُ إلَى الْجَدِّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ نَفْيُ اسْمِ الْأُبُوَّةِ عَنْ جَدِّهِ فَيُقَالُ: إنَّهُ جَدُّهُ وَلَيْسَ بِأَبِيهِ، فَإِنْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ، كَمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ حَقِيقَةً يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ مَجَازًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: بَنُو آدَمَ وَآدَمُ جَدُّهُمْ الْأَعْلَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ، فَإِنَّ الْعَمَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ قَالَ تَعَالَى {قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَك وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: ١٣٣]، وَهُوَ كَانَ عَمَّا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّجُلُ صِنْوُ أَبِيهِ»، وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمًّا فَيَكُونُ الْخَالُ أَبًا أَيْضًا، قَالَ الْقَائِلُ:
وَخَالُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَالْخَالُ كَالْأَبِ
وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَهُ إلَى زَوْجِ أُمِّهِ قَالَ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] وَفِي الْعَادَةِ زَوْجُ الْأُمِّ يَقُولُ لِوَلَدِ امْرَأَتِهِ: هُوَ وَلَدِي بِاعْتِبَارِ أَنِّي أُرَبِّيهِ وَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ ابْنًا لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا، وَلَكِنَّهُ مَتَى كَانَ صَادِقًا فِي كَلَامِهِ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهُ
وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ وَقَدْ مَاتَتْ، فَإِنَّهُ قَاذِفٌ لِأُمِّهِ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِكَافِرٍ قَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ لِعَبْدٍ، وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْذُوفَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْأُمُّ، وَالْمُعْتَبَرُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ لَا إحْصَانَ مَنْ يُطَالِبُ بِالْحَدِّ فَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى ذَلِكَ لِعَبْدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَدِّهِ، وَإِنْ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْجِبًا عَلَيْهِ الْحَدُّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ
[قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ]
وَعَلَى هَذَا إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُضَافُ إلَى أَبِيهِ كَالْعَبْدِ إلَى سَيِّدِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ، وَلَا يُحَدُّ فِي قَذْفِهِ فِي نَفْسِهِ؟ فَكَذَلِكَ فِي قَذْفِهِ فِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْتَوْجَبًا عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ لِقَبِيلَتِهِ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِنَّ بَنِي فُلَانٍ حَقِيقَةُ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا قَذْفًا، فَإِنَّمَا يَكُونُ قَذْفًا لِامْرَأَةِ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَبِيلَةُ وَهِيَ كَانَتْ كَافِرَةً غَيْرَ مُحْصَنَةٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: جَدُّك زَانٍ أَوْ جَدَّتُك زَانِيَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَاذِفًا بِهَذَا؛ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا لَا يَكُونُ قَاذِفَ مُحْصَنٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ قَاذِفٌ لِأُمِّهِ الْأَدْنَى وَهِيَ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ مُزَيْقِيَا أَوْ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute