للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُكَاتَبِ الذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُمَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ لِأَنْفُسِهِمَا. وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ فِي حَقِّهِمَا: دَيْنُهُمَا لَا دَيْنُ مَوْلَاهُمَا. فَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ لَهُمَا بِالْخَمْرِ كَمَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ

وَإِذَا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَيْنِ لَهُ ذِمِّيَّيْنِ عَلَى خَمْرٍ مُسَمَّاةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا؛ صَارَتْ كُلُّهَا قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَفَالَةِ فَإِذَا كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي حُكْمِ التَّحَوُّلِ مِنْ الْخَمْرِ إلَى الْقِيمَةِ كَإِسْلَامِهِمَا.

تَوْضِيحُهُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ تَحَوَّلَ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إلَى الْقِيمَةِ وَبَقِيَ نَصِيبُ النَّصْرَانِيِّ مِنْهُمَا خَمْرًا لَتَمَيَّزَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا مِمَّا عَلَى الْآخَرِ فَيُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ خِلَافَ شَرْطِ الْمَوْلَى فَإِمَّا أَنْ يَبْقَى الْكُلُّ خَمْرًا أَوْ يَتَحَوَّلَ قِيمَةً. وَإِبْقَاؤُهُ خَمْرًا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ فَيَتَحَوَّلُ الْكُلُّ إلَى الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَبْدٌ وَاحِدٌ مُكَاتَبٌ لِذِمِّيَّيْنِ عَلَى خَمْرٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَقَدْ صَحَّ تَحَوُّلُ نَصِيبِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إلَى الْقِيمَةِ فَيَتَحَوَّلُ نَصِيبُ الْآخَرِ - أَيْضًا - ضَرُورَةً

وَلَوْ كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا وَعَبْدًا نَصْرَانِيًّا عَلَى خَمْرٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَقَدْ بَطَلَ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ إذْ لَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ فِي نَصِيبِ النَّصْرَانِيِّ لَا يَبْقَى جَعْلُ الْمُسْلِمِ كَفِيلًا بِهِ وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ إلَّا بِذَلِكَ،

وَلَوْ غَصَبَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَكَفَلَ بِهِ عَنْهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَا قَائِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ كَمَا لَا يَلْتَزِمُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا بِالْعَقْدِ؛ فَكَذَلِكَ لَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ عَيْنَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ هَلَكَا قَبْلَ الْكَفَالَةِ صَارَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْمِثْلِ فَالْكَفِيلُ الْمُسْلِمُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الْخَمْرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

فَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ دَرَاهِمُ فَصَحَّ الْتِزَامُ ذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ مُسْلِمًا جَازَتْ كَفَالَتُهُ عَنْهُ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِهَا؛ لِأَنَّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْقِيمَةِ كَالْخِنْزِيرِ. وَالْقِيمَةُ دَرَاهِمُ فَإِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ تَكُونُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا؛ فَهَذَا مُسْلِمٌ الْتَزَمَ دَرَاهِمَ هِيَ دَيْنٌ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْكَفَالَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ

[بَابُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>