للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْعِقَادَ الْعَقْدِ.

وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِدَارٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَفِيعٌ فَلِكُلِّ شَفِيعٍ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِقِيمَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِلدَّارِ مِنْ جِنْسِهَا، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ شَفِيعٍ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الدَّارِ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ شَفِيعًا أَيْضًا، يَعْنِي: أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَخَذَ الشَّفِيعُ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهِ.

وَإِذَا اشْتَرَى بَيْتًا مِنْ دَارِ عُلْوُهُ لِآخَرَ وَطَرِيقُ الْبَيْتِ الَّذِي اشْتَرَى فِي دَارٍ أُخْرَى، فَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ لِلَّذِي فِي دَارِهِ الطَّرِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْبُقْعَةِ بِالطَّرِيقِ، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَصَاحِبُ الْعُلْوِ إنَّمَا لَهُ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ، فَإِنْ سَلَّمَ صَاحِبُ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ الْعُلْوُ، فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي الْقِيَاسِ، وَلَا لِصَاحِبِ عُلْوٍ آخَرَ بِجَنْبِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ بِنَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِالْبِنَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْضٌ، وَالْأَرْض وَسَقْفُ السُّفْلِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقَّ قَرَارِ الْبِنَاءِ، وَبِهِ يَسْتَحِقُّ اتِّصَالُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَالْقَرَارِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ جَارَيْنِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ هُنَاكَ غَيْرُ مُتَأَيَّدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ، وَهُنَا لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُكَلِّفَ صَاحِبَ الْعُلْوِ رَفْعَ الْبِنَاءِ بِحَالٍ وَاتِّصَالُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُثْبِتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِينَ وَالْأَنْهَارِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالشَّرِيكُ فِي الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي الشُّرْبِ كَمَا أَنَّ الشَّرِيكَ فِي نَفْسِ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا مَنْفَعَةَ، إلَّا لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ، يَعْنِي: عِنْدَ وُجُودِهِ لَا شُفْعَةَ، إلَّا لَهُ، ثُمَّ الشُّرْبُ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ، كَالطَّرِيقِ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرِكَةِ فِي الشَّرَبِ، وَالشَّرِيكُ فِي الشَّرْبِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْجَارِ، كَالشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ.

قَالَ، وَالشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ الصَّغِيرِ كُلُّ مَنْ لَهُ شِرْبٌ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ، وَإِنْ كَانَ نَهْرًا كَبِيرًا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، فَالْجَارُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا شُرَكَاءَ فِي الشِّرْبِ، مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الشِّرْبِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ فَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>