للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّهْرِ الصَّغِيرِ الشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَفِي النَّهْرِ الْكَبِيرِ الشَّرِكَةُ عَامَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِاعْتِبَارِهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ النَّهْرِ الصَّغِيرِ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهُ قَرَاحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَهُوَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ النَّهْرَ الْكَبِيرَ بِمَنْزِلَةِ الدِّجْلَةِ، وَالْفُرَاتُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَكُلُّ مَاءٍ يَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ مِنْ الْأَنْهَارِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ حَتَّى رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِاعْتِبَارِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُ بِعَدَدِ الْأَرْبَعِينَ، أَوْ بِعَدَدِ الْخَمْسِينَ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ فِيهِ إلَى التَّقْدِيرِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ بِالرَّأْيِ لَا تُسْتَدْرَكُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ، فَالْمُعْتَبَرُ مَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ.

وَإِذَا زَرْع الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَقْلَعَ الزَّرْعَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، فَهُوَ، كَالْغَاصِبِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ وَجْهٍ إبْطَالٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ يَأْخُذُهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَمَا كَانَ يَتَيَقَّنُ بِأَنَّ الشَّفِيعَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعِهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ وَلِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ انْتَظَرَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ قَلِيلًا، وَإِذَا قَلَعَ زَرْعَ الْمُشْتَرِي تَضَرَّرَ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ وَمَالِيَّتِهِ وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الْإِبْطَالِ، فَإِنْ كَانَ غَرَسَ فِيهَا كَرْمًا، أَوْ شَجَرًا، أَوْ رَطْبَةً فَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِفَرَاغِ الْأَرْضِ مِنْهَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبِنَاءِ نَظِيرَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ حَقُّ الشَّفِيعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ إلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ أَيْضًا لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي زَرْعِهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الشَّفِيعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَفِي التَّأْخِيرِ لَا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ إبْطَالٌ.

وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا؛ لِيَقْطَعَهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الشِّرَاءِ، وَالنَّخْلُ بِدُونِ الْأَرْضِ، كَالْبِنَاءِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأُصُولِهَا وَمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ فِي هَذَا الْحَالِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى زَرْعًا أَوْ رَطْبَةً؛ لِيَجُزَّهَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مَعَ الْأَرْضِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ وَتَوَابِعِهَا؛ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، إلَّا بِالذِّكْرِ، فَهُوَ، كَالْمَتَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>