الْمَوْضُوعِ فِي الْأَرْضِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ اُشْتُرِيَ مَعَ الْأَرْضِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّرْعَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ مَا لَمْ يُحْصَدْ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ مُتَّصِلًا بِالْعَقَارِ يُسْتَحَقّ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا، كَالْأَبْوَابِ، وَالشُّرُبِ الْمُرَكَّبَةِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الشَّفِيعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا وَقَبْلَ الْحَصَادِ يُمْكِنُهُ أَخْذَ الْكُلِّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْصَدْ حَتَّى حُصِدَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ أَخَذَهُ كَانَ أَخْذًا لِلْمَنْقُولِ بِالشُّفْعَةِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ لَيْسَ فِيهَا ثَمَرٌ فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِهِ فَأَكَلَهَا سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ مَا أَكَلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَحُطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَحُطُّ حِصَّةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَنَاوُلَ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ تَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَيْعِهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ، كَالثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، فَأَمَّا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْأَرْضَ، وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ
وَانْقِسَامُ الثَّمَنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْجَذَاذِ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِيهَا فَتَنَاوُلُهُ إيَّاهَا لَا يُحِلُّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَيْنِ هُنَاكَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ يَضْمَنُهُ إلَى الْأَصْلِ وَيَبِيعُ الْكُلَّ مُرَابَحَةً، فَإِذَا تَنَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا أَكَلَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ إذَا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي فَلِلثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِيهَا بَعْدَ الْجَذَاذِ فَيَطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثِّمَارَ الْمَوْجُودَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَوْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَإِنْ حَضَرَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَجُذَّهَا الْمُشْتَرِي أَخَذَهَا مَعَ الْأَشْجَارِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا، وَالزَّرْعُ سَوَاءٌ وَبَعْدَ الْجَذَاذِ هُنَا، وَالْحَصَادِ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الثِّمَارِ، وَالزَّرْعِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِالْعَقْدِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute