فَوَجَدَتْ الْبِلَّةَ عَلَى الْكُرْسُفِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ حَيْضًا مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ وَالِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَلْزَمَهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ.
[فَصْلٌ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ]
(فَصْلٌ): وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ. مِنْهَا أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» يَعْنِي زَمَانَ الْحَيْضِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا بَالُ إحْدَانَا تَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا السُّؤَالَ لِشُهْرَةِ الْحَالِ وَنَسَبَتْهَا إلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ سُؤَالَ التَّعَنُّتِ فِي الدِّينِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] الْآيَةُ فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى حُرْمَةِ الْغَشَيَانِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضِ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَمُرَادُهُ إذَا اسْتَحَلَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا اللَّوْحَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ آيَةً تَامَّةً مِنْ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩]، وَهَذَا، وَإِنْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ لَا يُنَزِّلُهُ إلَّا السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ فَظَاهِرُهُ يُفِيدُ مَنْعَ غَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ مَسِّهِ «وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ».
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ دُونَ الْجُنُبِ قَالَ: لِأَنَّ الْجُنُبَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ بِالِاغْتِسَالِ فَيَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْحَائِضُ عَاجِزَةٌ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» ثُمَّ عَجْزُهَا عَنْ تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ يَدُلُّ عَلَى تَغَلُّظِ مَا بِهَا مِنْ الْحَدَثِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ تَامَّةٍ وَلَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قُرْآنٌ، وَجْهُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْقُرْآنِ حُكْمَانِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَمَنْعُ الْحَائِضِ عَنْ قِرَاءَتِهِ ثُمَّ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute