الْعَزِيزِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: ٢٤]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق: ٢٦]، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَبْقَى الْجَوَابَ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَضَنَا فُلَانٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ اسْتَوْدَعَنَا أَوْ أَعَارَنَا أَوْ غَصَبْنَا مِنْهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَالِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ مَعَهُ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُ وَمَعِي فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَمَعِي فُلَانٌ جَالِسٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ لِلثَّانِي خَبَرًا لَا يَكُونُ اشْتِرَاكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فِي الْخَبَرِ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خَبَرًا تَحَقَّقَ الِاشْتِرَاكُ لِلْعَطْفِ كَمَا إذَا قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَعَمْرَةُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ فِضَّةً، ثُمَّ قَالَ هِيَ سُودٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ مُقَرِّرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَإِنَّ اسْمَ الْفِضَّةِ يَتَنَاوَلُ السُّودَ وَالْبِيضَ عَلَى السَّوَاءِ فَيَكُونُ بَيَانُهُ مَقْبُولًا.
وَلَوْ قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضًا، وَلَمْ أَقْبِضْهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ وَصَلَ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ هَذَا رُجُوعًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ لَمْ أَقْبِضْهَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصِيرُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَلَا غَصْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ بَاعَنِيهِ وَنِسَائِي إلَى الْعَطَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْأَجَلِ إذَا أَنْكَرَهُ الطَّالِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَجَلًا صَحِيحًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، فَإِذَا ادَّعَى أَجَلًا فَاسِدًا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى فِيهِ شَرْطًا يُفْسِدُهُ أَوْ زَادَ مَعَ ذَلِكَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَأَوْرَدَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هِيَ جِيَادٌ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ كَمَا أَقَرَّ بِهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إقْرَارُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ إقْرَارَهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ فَقِيَاسُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا وَأَوْرَدَ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ هَذَا الْعَبْدِ لَا بَلْ ثَمَنُ جَارِيَةٍ وَادَّعَاهُمَا الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ وَلَوْ قَالَ لَا بَلْ هِيَ ثَمَنُ جَارِيَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي اسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ.
وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هِيَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ إقْرَارُهُ، وَعِنْدَنَا يَكُونُ الْمَالُ الثَّانِي اسْتِحْسَانًا وَنَظَائِرُ هَذَا الْفَصْلِ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْجَامِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ فِي غَيْرِ الْمَرَضِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِقْرَارُ الصَّحِيحِ بِالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ لِوَارِثِهِ وَغَيْرِ وَارِثِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute