للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُكَاتَبَةِ وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ جَائِزٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِ الصَّحِيحِ وَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ.

وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ، فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ فَصَدِّقُوهُ فِيمَا قَالَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَا يَدَّعِي فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ فَإِنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّرْعِ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي دَعْوَاهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» الْحَدِيثَ وَوَصِيَّتُهُ بِخِلَافِ الشَّرْعِ بَاطِلَةٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ يُصَدَّقُ الطَّالِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِتَسْلِيطِهِ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ فِي مَالِهِ إيجَابًا لَهُ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ تَسْلِيطُهُ إيَّاهُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ إخْبَارًا بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ حَقًّا لِلْمَرِيضِ لِيَفُكَّ بِهِ نَفْسَهُ وَيَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِهِ وَمِنْ حَوَائِجِهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَرُبَّمَا يَعْلَمُ بِوُجُوبِ الْحَقِّ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِقْدَارُهُ فَيُقِرُّ بِهِ وَيُفَوِّضُ بَيَانَ الْمِقْدَارِ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ لِعِلْمِهِ بِأَمَانَتِهِ فَلِهَذَا صَحَّحْنَا وَصِيَّتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَكِنْ يُحَلِّفُ الْوَرَثَةَ عَلَى عِلْمِهِمْ؛ لِأَنَّا كُنَّا نُصَدِّقُهُ بِاعْتِبَارِ وَصِيَّةِ الْمُوصِي وَوَصِيَّتُهُ لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ

وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ مُسَمًّى بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الدَّيْنُ الْمُسَمَّى أَوْلَى فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ ثَابِتٌ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَحَقُّ الْآخَرِ مَجْهُولٌ وَيُشْبِهُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الضَّعِيفِ مِنْ السَّبَبِ وَبَيْنِ الْقَوِيِّ فَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ مُسَمًّى، وَلَكِنَّهُ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومٌ مُسَمًّى وَالْمَجْهُولُ لَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فِي الْكِتَابِ وَأَوْرَدَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ إذَا أَخَذَ الثُّلُثَ يُقَالُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ لِآخَرَ فَنُعْطِيَهُ ثُلُثَ ذَلِكَ مِمَّا فِي يَدِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْآخَرِ الْوَارِثِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْمَيِّتُ لِلْآخَرِ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَلَا بُدَّ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ، وَلَكِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ وَهُنَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ فَصَدِّقُوهُ فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ.

وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ، ثُمَّ بِدَيْنٍ آخَرَ تَخَاصَمُوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ صَارَ مَالُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَرِيمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ عَنْهُ فَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.

وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ أَوْ نُقْصَانَ دِرْهَمٍ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>