الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَقِيقَةً فَتَصْرِيحُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى بِالدَّرَاهِمِ يَكُونُ بَيَانًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ فَعَلَيْهِ مِائَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ مَتَى بَقِيَ وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْئًا قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْعَشَرَةَ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدِّرْهَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " عَشَرَةُ دَرَاهِمَ "، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَهُ فِي قَوْلِهِ " مِائَةُ دِرْهَمٍ ".
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ بَطَلَ الْأَجَلُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ صَارَ كَالْعَيْنِ فِي التَّرِكَةِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ الْآجَالَ فَلَا فَائِدَةَ فِي إبْقَاءِ الْأَجَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُ وَلَا لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُرْتَهَنًا بِالدَّيْنِ وَلَا تَنْبَسِطُ يَدُ وَارِثِهِ فِي التَّرِكَةِ لِمَكَانِ الدَّيْنِ.
وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ لِقَابِلِهِ وَلَا لِعَبْدِ قَابِلِهِ وَلَا لِمُكَاتَبِ قَابِلِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ لِلْقَابِلِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ عَلَى قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ.
وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ بِدَيْنٍ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ وَمَكَاسِبِهِ، وَهُوَ مِنْ مَوْلَاهُ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهُ أَيْضًا كَمَا يَصِحُّ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُوَاضَعَةِ تَتَمَكَّنُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ فِي الْمَرَضِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ أَنَّ مِثْلَ الْكِتَابَةِ عِتْقٌ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِمَا قُلْنَا.
وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ دَيْنًا، وَفِي دَارٍ لِأَبِيهِ، وَعَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ فِي الصِّحَّةِ فَدَيْنُهُ الَّذِي فِي الصِّحَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى أَبِيهِ فِي مَرَضِهِ كَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَيُقَدِّمُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ كَانَ دَيْنُ الْأَبِ أَوْلَى فِي تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ فَإِنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْأَبِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ وَصِحَّةُ إقْرَارِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِذَا حَصَلَ إقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ صَارَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لِغُرَمَاءِ الْأَبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غُرَمَاءِ الِابْنِ.
وَإِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ، فَقَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَبِي وَلِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَوَصَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ فِي آخَرِ كَلَامِهِ مَا يُغَايِرُ أَوَّلَهُ فَتَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ لَهُمَا " عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ". وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ " وَهَذِهِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي لِفُلَانٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute