فَقَدْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ أَوْ الْأَصْلِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِصِفَةِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ ذَلِكَ.
[وُجِدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَكَان غَيْرِ مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ]
وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَكَان غَيْرِ مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَتِلْكَ الْمَحَلَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُحْتَرَمٌ فَإِنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَحُرِّيَّتِهِ كَانَتْ لِنَفْسِهِ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالتَّقَوُّمِ مَا لِسَائِرِ نُفُوسِ الْأَحْرَارِ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ لِصِيَانَةِ النُّفُوسِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الْإِهْدَارِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ ثُمَّ بَدَلُ النَّفْسِ مِيرَاثٌ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
وَإِذَا وَجَدَ الْعَبْدُ لَقِيطًا فَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، وَقَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا هُوَ قَابِضٌ لَهُ بَلْ يَدُهُ يَدُ مَوْلَاهُ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي كَسْبِهِ فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ، وَإِطْلَاقُ الْيَدِ فِي الْكَسْبِ، وَمَنْ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي شَيْءٍ فَقَوْلُهُ فِيهِ مَسْمُوعٌ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْعَبْدَ بِقَوْلِهِ هَذَا لَقِيطٌ فِي يَدِي يُخْبِرُ بِسُقُوطِ حَقِّ مَوْلَاهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَالْمَحْجُورُ لَا قَوْلَ لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ مَوْلَاهُ عَمَّا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فَقَوْلُهُ فِيمَا يَدُهُ مَقْبُولٌ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْ أَخْذِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ.
وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِبَيْتِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢]، وَاللَّقِيطُ حُرٌّ مُؤْمِنٌ فَيَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا كَانَ خَطَأً، وَالْمُلْتَقِطُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلَا أَقْتُلُهُ بِهِ، وَالْحَرْبِيُّ إذَا أَسْلَمَ، وَخَرَجَ إلَى دَارِنَا ثُمَّ قَتَلَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ لِلَّقِيطِ، وَلِيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ عَصَبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ بَعُدَ إلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَحَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ يَكُونُ إلَى الْوَلِيِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً مَانِعَةً لِلْإِمَامِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةٍ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِعَمْدٍ مَحْضٍ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ نَقُولُ فِي الَّذِي أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute