للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِي كَوْنِهِ هَدَرًا يُجْعَلُ فِي حُكْمِ فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِهْدَارُ، وَإِذَا صَارَ بَعْضُ النَّفْسِ هَدَرًا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَيَجِبُ فِيمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً وَجَرَحَهُ سَبُعٌ وَجَرَحَهُ عَبْدٌ لَهُ وَجَرَحَ نَفْسَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ رُبْعُ دِيَةِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ مِنْ أَفْعَالٍ أَرْبَعَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْحُكْمِ فَإِنَّ جِرَاحَةَ السَّبُعِ هَدَرٌ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَالْحُكْمِ جَمِيعًا. وَجُرْحُهُ نَفْسَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْإِثْمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْحُكْمِ وَجُرْحُ عَبْدِهِ لَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا إذَا كَانَ عَمْدًا حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ فَلِهَذَا تَوَزَّعَ بَدَلُ نَفْسِهِ أَرْبَاعًا فَيَكُونُ رُبْعُهُ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ خَطَأً.

وَلَوْ جَرَحَهُ سَبُعٌ وَخَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةً وَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَآخَرُ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الرَّجُلَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّبُعِ، وَالْحَيَّةِ وَمَا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْقُرْحَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَكُلُّ ذَلِكَ هَدَرٌ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا تَتَوَزَّعُ النَّفْسُ أَثْلَاثًا فَيُهْدَرُ الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ حَجَرٌ وَضَعَهُ رَجُلٌ، أَوْ حَائِطٌ تَقَدَّمَ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ مَعَ جِرَاحَةِ الرَّجُلِ، وَالسَّبُعِ فَعَلَى الرَّجُلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَعَلَى صَاحِبِ الْحَجَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالثُّلُثُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: جِرَاحَةِ الرَّجُلِ وَحُكْمُهُ مُعْتَبَرٌ، وَإِصَابَةِ الْحَجَرِ، أَوْ الْحَائِطِ وَحُكْمُ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَيْضًا وَفِعْلِ السَّبُعِ، وَهُوَ هَدَرٌ فَيَتَوَزَّعُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ أَثْلَاثًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الدَّمِ]

(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَتُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي إثْبَاتِ دَمِ الْعَمْدِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُضْطَرَبٌ فِيهِ ذَكَرَهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَاهُنَا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلنَّائِبِ فِي إثْبَاتِ دَمِ الْعَمْدِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ، ثُمَّ التَّوْكِيلُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَجُوزُ هُنَا مَعَ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النِّسَاءُ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ، إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هَذَا أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهِ كَالدِّيَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْضُ حَقِّ الْعِبَادِ، وَالنِّسَاءُ تُجْزِئُ بَيْنَ الْعِبَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>