للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصُومُ وَتُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِالشَّكِّ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ وَتَقْضِيَ صِيَامَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ حَيْضَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَتَحْتَاطُ لِهَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّا قَدْ عَرَفْنَاهَا حَائِضًا، وَدَلِيلُ بَقَائِهَا حَائِضًا ظَاهِرٌ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاحْتِيَاطِ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ تُرَدُّ إلَى عَادَةِ نِسَائِهَا يَعْنِي نِسَاءَ عَشِيرَتِهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النِّسَاءِ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَجِدَ أُخْتَيْنِ أَوْ أُمًّا وَابْنَةً عَلَى طَبْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَخْتَلِفُ طَبْعُهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ اعْتِبَارُ حَالِ نِسَائِهَا فِي مَعْرِفَة مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ.

وَالثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَالِيه أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «تَحِيضِي يَعْلَمُ اللَّهُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتَطْهُرُ»، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ مَا يُخَالِفُهَا وَقَدْ ظَهَرَ هُنَا مَا يُضَادُّ الطُّهْرَ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِمْكَانُ هَذَا إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَحْكُمُ لَوْنُ الدَّمِ فَمَا دَامَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ، فَهُوَ حَيْضٌ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ مُحْتَدِمٌ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَيَانُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَهَذِهِ مُسْتَحَاضَةٌ» فَتُرَدُّ إلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا، وَبِهَذَا اللَّفْظِ تَبَيَّنَ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ اسْمُ جَمْعٍ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَمُرَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَيَانُ لَوْنِ الدَّمِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالطِّبَاعِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسْتَحَاضَةُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ طَهُرَتْ وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامَ أَقْرَائِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ «وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: حِينَ اُسْتُحِيضَتْ انْتَظِرِي الْأَيَّامَ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا فَإِذَا مَضَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِظْهَارِ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ.

[فَصْلٌ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا]

(فَصْلٌ هُوَ دَائِرَةُ الْكِتَابِ): الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>