عَلَى الرَّجُلِ بِطَلَاقٍ وَهُوَ يَجْحَدُهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَبِنِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا غَرِمَا لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ كَانَا ضَامِنَيْنِ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ نَبَّهَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُ فَيَضْمَنُونَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْمَرْأَةِ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ تَدَّعِ إنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بِالنِّكَاحِ إذَا انْتَهَى بِالْوَفَاةِ فَإِذَا بَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ تَكُنْ هِيَ وَارِثَةً لَهُ فَلَا يَنْفَعُهَا قَوْلُ الْوَرَثَةِ وَالشُّهُودِ مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْفُرْقَةِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ وَلَمْ تَكُنْ هِيَ مُسْتَحِقَّةً لِلْمِيرَاثِ عِنْدَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَمُوتَ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَا شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَادَّعَى ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَقَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ قَدْ تَقَرَّرَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ وَاسْتَحَقَّتْ الْمِيرَاثَ أَيْضًا فَإِنَّمَا بَطَلَ حَقُّهَا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَعَنْ الْمِيرَاثِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْفُرْقَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَا يَضْمَنَانِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ شَيْئًا قَدْ تَقَرَّرَ حَقُّهَا فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفُرْقَةِ فَهُمَا نَفْعًا لِلْوَرَثَةِ بِإِسْقَاطِ نِصْفِ مَهْرِهَا وَمِيرَاثِهَا عَنْهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[كِتَابُ الدَّعْوَى]
(كِتَابُ الدَّعْوَى) (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ أَطْوَارًا عُلُومُهُمْ شَتَّى مُتَبَايِنَةٌ وَلِتَبَايُنِ الْهِمَمِ تَقَعُ الْخُصُومَاتُ بَيْنَهُمْ فَالسَّبِيلُ فِي الْخُصُومَةِ قَطْعُهَا) لِمَا فِي امْتِدَادِهَا مِنْ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَطَرِيقُ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ لِلْقُضَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اخْتِيَارِ الْآحَادِ فَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ فَصَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ وَعُدَّ هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ» وَاخْتُصِرَ لِي الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا فَقَدْ تَكَلَّمَ كَلِمَتَيْنِ اسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْهُمَا مَا بَلَغَ دَفَاتِرَ فَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠] أَنَّ الْحِكْمَةَ النُّبُوَّةُ وَفَصْلَ الْخِطَابِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute