الدَّفْعَ دَفَعَاهُ وَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِيهِ، وَقَدْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ بَيْعُ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لَهُ بِمَا أَدَّى مِنْ الْفِدَاءِ، وَالْمُضَارِبُ قَدْ رَضِيَ بِفَوَاتِ يَدِهِ وَحَقِّهِ فِيهِ حِينَ أَبَى الْفِدَاءَ فِي حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الْفِدَاءَ، وَاخْتَارَ الْمُضَارِبُ الدَّفْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِمِلْكِ نَصِيبِهِ وَلَهُ مَا اخْتَارَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ دَفْعٍ أَوْ فِدَاءٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا، وَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنْ دَفَعَ نَصِيبَهُ وَفَدَى الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ، فَقَدْ تَمَيَّزَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ دَفَعَ نَصِيبَهُ وَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ فَلِهَذَا جُعِلَ ذَلِكَ قِسْمَةً بَيْنَهُمَا وَإِبْطَالًا لِلْمُضَارَبَةِ؛ وَلِأَنَّ بِالتَّخْيِيرِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ يَثْبُتُ فِي نَصِيبِهِ حُكْمٌ، لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُزَوِّجُ الْأَمَةَ، وَلَا يُزَوِّجُ الْعَبْدَ لِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ اكْتِسَابَ الْمَالِ وَاسِقَاطَ نَفَقَتِهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا، وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ إضْرَارٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمُضَارِبَ فَوَّضَ إلَيْهِ التِّجَارَةَ فِي هَذَا الْمَالِ، وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ التُّجَّارَ مَا اعْتَادُوهُ، وَلَمْ نَعْرِفْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبُلْدَانِ سُوقًا مُعَدًّا لِلتَّزْوِيجِ، وَفِيمَا لَيْسَ بِتِجَارَةِ الْمُضَارِبِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اكْتِسَابُ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَأَدَّى الْكِتَابَةَ فَهُوَ عَبْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَمَا أَدَّاهُ فَهُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ عِنْدَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْكَسْبُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ، فَإِذَا كَانَ الْمُكْتَسِبُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَكَذَلِكَ كَسْبُهُ، وَإِذَا كَانَ كَاتَبَهُ وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ فَكِتَابَتُهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ يَخْرُجُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ فَيُؤَدِّي إلَى سَلَامَةِ شَيْءٍ لِلْمُضَارِبِ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ، إلَى رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ هَذَا عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute