فَهُنَا لِلْمَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهَا حَتَّى أَدَّى الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ، فَعِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ مِنْهُ يَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ إيَّاهُ، وَإِعْتَاقُ الْمُضَارِبِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ فِي الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ حِصَّةُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الرُّبْعُ يُسَلَّمُ لَهُ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَسْبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، فَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارِبِ يَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ اقْتَسَمَاهُ عَلَى الشَّرْطِ فِي الرِّبْحِ، ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُضَارِبَ إنْ كَانَ مُوسِرًا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ بَقِيَ الْعَبْدُ كُلُّهُ رِبْحًا، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَدْ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ بِإِعْتَاقِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَيَكُونُ لِلثَّالِثِ ثَلَاثُ خِيَارَاتٍ كَمَا هُوَ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَلَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرَّقَبَةِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ بِعِوَضٍ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حِصَّتِهِ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ بِعِوَضٍ، وَشَرْطُ الْعِتْقِ قَبُولُ الْعَبْدِ جَمِيعَ الْعِوَضِ، وَقَدْ وَجَدَ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحِصَّةَ لَهُ، وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا عَبْدًا فَرَهَنَهُ الْمُضَارِبُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ، كَانَ فِي الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَالرَّهْنُ نَقِيضُ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَكَذَلِكَ لَا يَرْهَنُ بِهِ، فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِيهِ فَضْلٌ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ فَضْلٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيفَاءَ دَيْنِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَالْمُضَارِبُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ وَلَوْ لَمْ يَرْهَنْهُ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ اسْتَهْلَكَ مَالًا لِرَجُلٍ أَوْ قَتَلَ دَابَّةً فَبَاعَهُ الْمُضَارِبُ فِي ذَلِكَ دُونَ حُضُورِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ بِدَيْنِهِمْ أَوْ قَضَى الدَّيْنَ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ.
أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يُشْكِلُ، وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلُصُ الْمَالِيَّةُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ فِكَاكِ الرَّهْنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ فِي بِنَى آدَمَ، فَإِنَّ مُوجَبَ الْجِنَايَةِ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَيْسَ تَسْتَنِدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ.
وَلَوْ أَذِنَ الْمُضَارِبُ لِهَذَا الْعَبْدِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute