مُطْلَقًا، وَلَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ عَادَةً فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ، وَإِنْ أَكَلَ خُبْزَ قَطَائِفَ لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى قَطَائِفَ، وَإِنْ نَوَاهُ فَالْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى خُبْزًا مُقَيَّدًا، وَإِنْ أَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ ذَلِكَ طَعَامُهُمْ كَأَهْلِ طَبَرِسْتَانَ فَهُوَ حَانِثٌ، فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَكْلَ خُبْزِ الْأُرْزِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي دِيَارِنَا، وَلَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ حَيْسًا حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ التَّمْرُ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَيْسَ تَمْرٌ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ حَتَّى يَنْتَفِخَ فَيُؤْكَلَ.
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَدَعَاهُ إلَى الْغَدَاء فَحَلَفَ أَنْ لَا يَتَغَدَّى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا وَقَعَتْ جَوَابًا لِكَلَامِهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ يَتَقَيَّدُ بِمَا سَبَقَ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا، حَتَّى لَوْ قَامَتْ امْرَأَتُهُ لِتَخْرُجَ، فَقَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى تِلْكَ الْخَرْجَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إنْ تَغَدَّيْت مَعْنَاهُ الْغَدَاءُ الَّذِي دَعَوْتَنِي إلَيْهِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَتَغَدَّى، وَلَا إذَا تَغَدَّى عِنْدَهُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ الْيَمِينِ فِي الشَّرَابِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا فَأَيُّ شَرَابٍ شَرِبَهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرَابَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ فِعْلُ الشُّرْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَدَّهُ، وَالْمَاءُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ شَرَابٌ طَهُورٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.} [الإنسان: ٢١] فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ شَرَابٍ تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَإِنْ عَيَّنَ شَرَابًا بِعَيْنِهِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا، فَأَيُّ نَبِيذٍ شَرِبَهُ حَنِثَ، وَالنَّبِيذُ الزَّبِيبُ أَوْ التَّمْرُ يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ، فَتُسْتَخْرَجُ حَلَاوَتُهَا، ثُمَّ يُجْعَلُ شَرَابًا مَأْخُوذًا مِنْ النَّبْذِ، وَهُوَ الطَّرْحُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.} [آل عمران: ١٨٧] فَإِنْ شَرِبَ مُسْكِرًا أَوْ فَضِيخًا أَوْ عَصِيرًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيذٍ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّبِيذِ عَادَةً، وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا بِالْفَارِسِيَّةِ اسْمُ النَّبِيذِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُسْكِرٍ، وَالْأَيْمَانُ تَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، فَشَرِبَ نَبِيذًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَلَاوَةِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute